الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/07/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - النقطة الثانية ( هل العلم الاجمالي منجّز بذاته أو بسبب تعارض الأصول في اطرافه؟ ) – العلم الاجمالي - الدليل العقلي.

النقطة الثانية: - هل العلم الإجمالي منجز بذاته أو بتعارض الأصول؟

بعد الفراغ من منجزية العلم الإجمالي وقع الكلام في أنه هل هو ينجّز بذاته من دون حاجةٍ إلى تعارض الأصول في أطرافه أو أنه منجّز بعد تعارض الأصول في أطرافه وتساقطها؟

اختار الشيخ النائيني(قده)[1] في اجود التقريرات أنَّ منجزية العلم الاجمالي هي فرع تعارض الاصول في الأطراف، فتصير منجزية العلم الإجمالي في طول تساقط الأصول في الأطراف، ولكنه ذهب في فوائد الأصول[2] إلى أنَّه منجز بذاته وليس فرع تعارض الأصول في الأطراف وتساقطها، وهذا ما ذهب إليه الشيخ العراقي(قده) أيضاً في نهاية الأفكار[3] .

فمثلاً في يوم الجمعة نعلم اجمالاً بثبوت وجوبٍ إما لصلاة الظهر أو لصلاة الجمعة، وهذا العلم الإجمالي يكون منجزاً حينما يتعارض أصل البراءة في وجوب صلاة الظهر مع أصل البراءة في وجوب صلاة الجمعة فيتساقطان وحينئذٍ يحكم بمنجزية العلم الإجمالي، فهل الأمر هكذا أو أننا لا نحتاج إلى هذا التطويل بل نفس العلم الإجمالي هو الذي ينجز وجوب الموافقة القطعية من دون حاجة إلى تعارض الأصول في أطرافه وتساقطها؟، وقد قلنا يوجد للشيخ النائيني(قده) رأيين في هذه المسألة الأول ما ذكره في اجود التقريرات حيث بنى على أنَّ منجزية العلم الإجمالي هي فرع تعارض الأصول، والثاني ما ذكره في فوائد الأصول حيث بنى على أنَّه منجز بذاته من دون حاجة إلى تعارض الأصول.

والمناسب هو أنَّ العلم الاجمالي منجز بذاته وذلك لوجهين: -

وقبل أن نذكر الوجهين نشير إلى قضية واضحة: - وهي أنَّ العلم الإجمالي إنما يكون منجزاً للطرفين فيما إذا فرض عدم ثبوت ترخيص من الخارج من قبل الشارع في ترك أحد الطرفين، أما مع وجود الترخيص فحينئذٍ لا يكون العلم الإجمالي منجزاً بذاته لكلا الطرفين لفرض وجود الترخيص من قبل الشارع في أحد اطرافه.

وأما الوجهان فهما: -

الوجه الأول: - حكم العقل، فإنه إذا علمنا بأنَّ أحد الطرفين نجس فعقل كل مكلف يحكم بأنك مادمت أيها المكلف تعلم بأنَّ أحدهما نجس - أو حرام - فلابد وأن تتركهما معاً، فحكم العقل هو الذي يقتضي المنجزية وذلك بترك الطرفين معاً لأنَّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني من دون حاجة إلى اجراء أصل البراءة في الطرفين وتعارضهما وتساقطهما ثم الحكم بلزوم تركهما معاً بعد التعارض والتساقط.

الوجه الثاني:- أن يقال لو اشترطنا في وجوب الموافقة القطعية تعارض الأصول وتساقطها ثم بعد ذلك يثبت وجوب الموافق القطعية فربما نخرج بنتيجة غير مقبولة، حيث يكون المناسب أن نقول إنَّ أصل البراءة الشرعي هنا - الذي هو ( رفع عن امتي ما لا يعلمون ) - يتعارض جريانه في الطرف الأول مع جريانه في الطرف الثاني فيتساقطان وبعد تساقطهما سوف تصل النوبة إلى أصل البراءة العقلية – وهو قاعدة قبح القعاب بلا بيان - وهذا الأصل لابد من تحكيمه هنا أيضاً ولا معنى لأن تحكم أصل البراء الشرعي فقط دونه، وحينئذٍ سوف يتقدم أصل البراءة العقلي.

ومن الواضح أننا نذهب إلى أصل البراءة العقلي - قاعدة قبح العقاب بلا بيان - فيما إذا سقط اصل البراءة الشرعي في الطرفين، وأما مع عدم سقوطه فيهما بالمعارضة فلا تصل النوبة إلى أصل البراءة العقلي، ولذلك في سائر موارد الشبهة البدوية حيث يوجد أصل بالبراءة الشرعية في كل مورد من دون معارضة فلا تصل النوبة إلى أصل البراءة العقلية، وأما هنا فمادام يوجد علم اجمالي بحرمة احد الطرفين فأصلي البراءة الشرعية في الطرفين سيتعارضان ويتساقطان فتصل النبوة إلى أصل البراءة العقلي ومن المعلوم أنَّ البيان ثابتٌ بلحاظ احد الطرفين دون الآخر فالعقل يحكم حينئذِ بلزوم اجتاب طرفٍ وجواز ارتكاب الطرف الثاني، وهذه نتيجة لا يمكن الالتزام بها..

إن قلت: - نحن نحكم البراءة الشرعية كما صنع العلمان - العراقي(قده) في نهاية افكار والنائيني(قده) في اجود التقريرات، - فالذي أراد أن يقول بتحكيم الأصول فهو يريد أن يحكم الأصول الشرعية فقط.

قلت: - إن تحكيم الأصول الشرعية فقط دون العقلية ليس بصحيح، بل يوجد في المقام أصل عقلي وهو قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فإذا أخذنا بهذا الحكم العقلي فالعقل يحكم بأنه إذا جاء البيان على واحد من طرفي العلم الاجمالي فيمكن أن يترك المكلف واحد منهما وله أن يأتي بالثاني.

وعليه فالمناسب هو كون العلم الاجمالي منجز بذاته لأجل الحكم العقلي الذي ذكرناه.


[1] أجود التقريرات، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج2، ص417.
[2] فوائد الأصول، الكاظمي الخراساني، الشيخ محمد علي، ج3، ص307.
[3] نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج2، ص307.