الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - هل العلم الاجمالي يقتضي وجوب الموافقة القطعية أو لا؟ – العلم الاجمالي - الدليل العقلي.

والمناسب أن يقال:- مرة ننكر قاعدة قبح العقاب بلا بيان - الذي لازمه منجزية الاحتمال - وأخرى نسلّم بها، فإن انكرناها - يعني قلنا بمنجزية الاحتمال - فالمناسب وجوب الموافقة القطعية، لأنَّ المفروض أننا انكرنا هذه القاعدة وبنينا على أن الاحتمال منجز، فهذا الطرف يحتمل أنه هو الخمر وذاك الطرف يحتمل أنه هو الخمر - فإنَّ الاحتمال موجود في كلا الطرفين - فيثبت التنجيز في كليهما، وإن سلّمنا بهذه القاعدة فالمناسب التفصيل بين ما إذا علمنا بالحكم وبمتعلقه معاً فتجب الموافقة القطعية وبين ما إذا علمنا بالحكم دون متعلقه فلا تجب الموافقة القطعية.

ومثال الاول:- ما إذا كنا نعلم بالحرمة المتعلقة بالخمر، فالحكم واضح وهو الحرمة والمتعلق واضح أيضاً وهو حرمة شرب الخمر ولكن لا ندري أنَّ الاناء الأول هو الخمر أو أنَّ الاناء الثاني هو الخمر ففي مثل هذه الحالة يكون الحكم معلوماً والمتعلق معلوماً أيضاً وحينئذٍ تجب الموافقة القطعية بترك كلا الاناءين، وذلك للعلم بالحكم وبمتعلقه فيوجد اشتغال يقيني بترك الخمر والاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني

ومثال الثاني:- ما إذا علمنا بالوجوب في ظهر يوم الجمعة ولكن لا ندري أنه متعلق بصلاة الظهر أو بصلاة الجمعة، فالحكم هنا معلوم وهو الوجوب ولكن المتعلق مردد بين كونه فعل الظهر أو فعل الجمعة، وفي مثل هذه الحالة مقتضى القاعدة – يعني بناء على تسليم قاعدة قبح العقاب بلا بيان - هو لزوم الاتيان بأحد الصلاتين باعتبار أنَّ المكلف يعلم بالجامع، فهو يعلم بوجوب احدى الصلاتين وفي مثل هذه الحالة يكفيه الاتيان بأحدهما ولا يلزمه الاتيان بكلتيهما.

ويمكن أن نقول:- إنَّ ضابط الاول الذي يلزم فيه الاحتياط هو أن يكون ذلك في الشبهات الموضوعية عادةً، وأما ضابط الثاني الذي لا يلزم فيه الاحتياط أن يكون في الشبهة الحكمية، ففي مثال وجوب الظهر والجمعة لا ندري أنَّ الواجب هو الجمعة أو الظهر وهذا شك في الحكم الكلي، بخلافه في حرمة شرب الخمر فإنَّ الحكم واضح لكن المتعلق ليس بواضح فهل الخمر في الاناء الاول أو في الاناء الثاني.

والمناسب أن نجعل الضابط في لزوم الاحتياط هو العلم بالحكم والعلم بمتعلقه لا أن نجعل المدار على الشبهة الموضوعية إذ لعله يحصل التخلف في بعض الموارد، كما أنَّ المناسب عدم جعل الضابط في عدم لزوم الاحتياط أن يكون عادة في الشبهة الحكمية بل يجعل الضابط هو العلم بالحكم دون متعلقه.

وقد يشكل مشكل ويقول:- إنَّ ما انتهي إليه في المورد الثاني من عدم وجوب الاحتياط يتنافى مع ما نشعر به بالوجدان القاضي بلزوم الاحتياط لوجود العلم الاجمالي، فبعد وجود العلم الاجمالي بأنَّ الواجب في ظهر يوم الجمعة هو إما صلاة الظهر أو الجمعة فالمناسب هو الاحتياط لما نشعر به بالوجدان بعد وجود العلم الاجمالي والحال أنَّ الذي انتهي إليه هو عدم وجوب الاحتياط فكيف التوفيق بين المطلبين؟