45/07/16
الموضوع: - هل العلم الاجمالي يقتضي وجوب الموافقة القطعية أو لا؟ – العلم الاجمالي - الدليل العقلي.
وجوب الموافقة القطعية:
ذكرنا في بداية بحثنا عن العلم الاجمالي أن الكلام في العلم الاجمالي تارة يقع بلحاظ حرمة مخالفته القطعية وأخرى بلحاظ وجوب موافقته القطعية وقد انتهينا من البحث عن حرمة المخالفة القطعية وكانت الخلاصة أنه إن كان السؤال بلحاظ العقل والحكم العقلي فقد قلنا بامكان جريان الاصل المرخِّص والمؤمِّن في كل طرف من اطراف العلم الاجمالي لعدم المنافاة عقلاً ولكن بالنظر العرفي العرف يرى المنافاة بين الترخيص في جميع الاطراف وبين العلم بحرمة واحد منها، وحيث إنَّ فهم النصوص لابد وأن يصير على طبق الفهم العرفي وليس على طبق الدقة العقلية فحينئذٍ لا تجوز المخالفة القطعية للعلم الاجمالي.
وبعد ثبوت حرمة المخالفة القطعية نريد أن نتكلم الآن عن وجوب الموافقة القطعية، فلو كان عندنا اناءان احدهما نجس لا يجوز ارتكابهما معاً لأنه سوف تحقق مخالفة قطعية ولكن الكلام هل يلزم تركهما معاً والذي هو عبارة عن الموافقة القطعية أو أنه لا تجب الموافقة القطعية بأن نرتكب واحداً من الاطراف ونترك الباقي؟، ومن الواضح أنَّ الكلام في وجوب الموافقة القطعية يتم فيما إذا قلنا بحرمة المخالفة القطعية، وأما إذا قلنا بجواز المخالفة القطعية – وذلك بارتكاب كلا طرفي العلم الاجمالي - فلا معنى حسنئذٍ لوجوب الموافقة القطعية.
وباتضاح هذا نقول:- هناك ابحاث اربعة نتعرض إليها في مسألة وجوب الموافقة القطعية:-
البحث الاول:- هل العلم الاجمالي منجز لوجوب الموافقة القطعية أو لا؟
البحث الثاني:- على تقدير كون العلم الاجمالي منجزاً لوجوب الموافقة القطعية هل ذلك بسبب تعارض الاصول أو أنه منجز بذاته من دون حاجة إلى تعارض الاصول؟
البحث الثالث:- بناءً على كون العلم الاجمالي منجزاً بذاته لوجوب الموفقة القطعية هل هو منجز لها بنحو العلية أو بنحو المقتضي؟
البحث الرابع:- بناء على أنَّ منجزية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية بنحو المقتضي هل يمكن التمسك بأدلة الأصول العملية - كأصل البراءة واصل الطهارة - لاثبات الرخصة في أحد الطرفين أو لا؟
أما البحث الاول:- وهو منجزية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية:-
فالمعروف أنَّ العلم الاجمالي منجز لوجوبها، فالعلم بوجوب إما الظهر أو الجمعة مثلاً هو منجز لوجوب الموافقة القطعية، وقد استدل على ذلك بأنه بعد العلم باشتغال الذمة يقيناً إما بالظهر أو بالجمعة فحينئذٍ يلزم تحصيل الفراغ اليقيني من باب المقدمة العلمية.
في المقابل قيل إنَّ العلم الاجمالي منجز للجامع وهو الاحد، والأحد يتحقق بالاتيان بأحد طرفي العلم الاجمالي ولا حاجة إلى الجمع بينهما، فلا تجب الموافقة القطعية.
وربما يقال في التوفيق بين هذين الرأيين:- نحن إما أن نبني على أنَّ العلم الاجمالي يتعلق بالجامع، أو نبني على أنه يتعلق بالواقع - كما بنى على ذلك الشيخ العراقي(قده) -، فإن بنيا على تعلقه بالجامع - أي بالأحد - فالمناسب كفاية الاتيان بأحد طرفي العلم الاجمالي فإنَّ الجامع - وهو الأحد - يتحقق بالاتيان بالأحد، وإن بنينا على أنه يتعلق بالواقع فيلزم الاتيان بكلا طرفي العلم الاجمالي - إذا كانت الشبهة وجوبية - أو بتركهما معاً - إذا كانت الشبهة تحريمية -، ويظهر هذا التفصيل من الشيخ العراقي(قده) فإنه ذكر أنه قد يقال لا تجب الموافقة القطعية للعلم الاجمالي بل يكفي طرف واحد، ثم أجاب وقال:- إن هذا وجيه بناءً على تعلق العلم الاجمالي بالجامع لأنَّ الجامع يتحقق بالأحد وأما بناءً على تعلقه بالواقع فيلزم الاتيان بكلا الفردين[1] .
وفي مقام التعليق على ما ذكره نقول:- إنك قلت إنه بناءً على تعلق العلم الاجمالي بالواقع فالمناسب هو احتياط وذلك بالاتيان بكلتا الصلاتين الظهر والجمعة، ونحن نقول:- إنَّ هذا وجيه وتام فيما إذا كان العلم الاجمالي متعلقاً بالواقع مع وضوح ذلك الواقع من دون أن يكون مبهماً من جهة ما فإنه في مثل هذه الحالة سوف يتنجز الواقع فيلزم الاتيان بكلا الطرفين، وأما إذا قلنا إنَّ هذا الواقع محاط بشيءٍ من الاجمال والخفاء وإلا لم يكن العلم اجمالياً وإنما كان علماً تفصيلياً - فبعضه وضوح وبعضه اجمال كما هو مقتضى العلم الاجمالي - فالتنجيز حينئذٍ يكون بمقدار جنية الوضوح، والوضوح هو بمقدار الجامع - وهو الأحد المبهم - وحينئذٍ لا يجب الاتيان بكلا الفردين بل يكفي الاتيان فردٍ واحد.