الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/07/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - هل العلم الاجمالي يقتضي وجوب الموافقة القطعية أو لا؟ – العلم الاجمالي - الدليل العقلي.

 

وأما إذا كانت المنافاة بلحاظ عالم المحركية:- فإنَّ الحرمة تحرك نحو الترك بينما الترخيص يحرك نحو عدم الترك فتحصل المناقضة بلحاظ عالم المحركية ففي الجواب عنه أن نقول:- إنَّ حرمة ارتكاب النجس أو المغصوب مثلاً الثابتة لأحدهما هي مجعولة للمحرم الواقعي والنجس الواقعي ولكن بداعي التحريك الشأني وليس بداعي التحريك الفعلي.

وقل بعبارة أخرى:- إنَّ الحرمة مجعولة بداعي التحريك إن عُلِم بها وبموردها ومتعلقها، فإذا عُلِم بمتعلقها فحينئذٍ تكون محركة، فهي محركة شأناً يعني إن علم بموردها، فهي تحرك نحو الترك، والحرمة المجعولة بهذا الداعي لا تتنافى مع الاباحة الثابتة في كل واحد من الطرفين؛ إذ الحرمة تحرك نحو الترك إن تعيَّن أنَّ هذا الطرف هو مصداق الحرام أو تعين أنَّ ذاك الطرف هو مصداق الحرام ومثل هذه الحرمة - التي تحرك إن عُلِم بموردها - لا تأبى الاجتماع مع الرخصة في الطرفين وإنما الذي يأبى الرخصة في الطرفين هو الحرمة المحركة بالفعل وهي ما إذا ما علم متعلقها فهنا لا يمكن جعل الاباحة، وأما إذا علم متعلق الحرمة ولكن بنحو الترديد فلا ندري هل هذا الطرف هو المتعلق أو ذاك الطرف هو المتعلق فهي تحرك نحو ترك هذا الطرف إن عُلِم بأنه هو الحرام والمفروض أنه لا يُعلَم بذلك فالمحركية هي محركية شأنية بهذا المعنى، والمحركية الشانية بهذا المعنى لا تتنافى مع الترخيص الفعلي في كل واحد من الطرفين ولا تأبى الاجتماع معه وإنما الذي يأبى الاجتماع مع الترخيص في الطرفين هو الحرمة الفعلية في كل طرف لا الحرمة الشأنية فإنها لا تأبى الاجتماع مع الاباحة.

الدليل الثالث: - ما ذكره الشيخ العراقي(قده) [1] وحاصله: إنَّ العلم الإجمالي هو اجمالي من حيث الخصوصية، يعني لا أدري أنَّ الحرام هو هذا الطرف بل إما هذا الطرف أو ذاك فمن حيث الخصوصية يوجد تردد واجمال، وأما بلحاظ الجامع - وهو الأحد - فالعلم تفصيليٌ فإنا أعلم بحرمة الجامع جزماً والتردد والاجمال إنما هو بلحاظ الخصوصيات، ومادام الجامع معلوم الحرمة بالتفصيل فلا يمكن الترخيص في كلا الفردين فإنَّ ذلك يتنافى مع العلم التفصيلي بحرمة الجامع.

وفي التعليق نقول:- نسلّم أنَّ الجامع - أي عنوان الأحد - يُعلَم حرمته بالتفصيل ولكن نقول إنَّ هذا العلم التفصيلي مقرون بشكوك، فإنه يشك في ثبوت الجامع في هذا الفرد أو ثبوته في الفرد الآخر وهذا معناه أنَّ العلم التفصيلي بنجاسة الجامع هو مقرون بشكوكٍ بعدد افراد العلم الإجمالي، فأنا أشك أنَّ هذا الفرد محرّم للشك في وجود الجامع المعلوم بالتفصيل نجاسته فيه، وهكذا أشك في وجوده في ذلك الفرد الآخر وإلا إذا لم أشك في وجود الجامع في هذا الفرد ولا ذاك فهذا معناه أنَّ العلم تفصيلي وليس اجمالياً، ومادامت هناك شوكوك بعدد الافراد فعدم جواز الترخيص في الافراد أوّل الكلام، وما افاده يتم فيما إذا فرض أنَّ الجامع معلوم النجاسة بالتفصيل من دون اقترانه بشكوكٍ بعدد الافراد ولكنه سوف يصير علماً تفصيلياً لا اجماليا، أما بعد أن افترضنا وجود شكوك بعدد الأفراد ففي مثل هذه الحالة يمكن اجراء الأصل سواء كان أصل البراءة أو الطهارة في هذا الطرف لوجود الشك فيه كما يمكن جريانه في الطرف الأخر لوجود الشك فيه أيضاً، وعليه فما أفاده لا ينفع شيئاً

ومن خلال هذا كله اتضح لحد الآن أنه يمكن الترخيص في جميع أفراد العلم الإجمالي.


[1] نهاية الافكار، العراقي، آقا ضياء الدين، ج2، ص305.