الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الدليل الثاني لعدم امكان الترخيص في المخلفة القطعية في العلم الاجمالي وهو للشيخ النائني – العلم الاجمالي - الدليل العقلي.

وفي مقام الجواب نقول:- إنَّ هذه الشبهة لا تختص بمورد العلم الاجمالي وإنما تأتي في مورد الشبهة البدوية أيضاً، فإنَّ الشرع قد رخّص في جميع الشبهات البدوية والحال أن بعضها يمكن القطع بكونه يشتمل على حكم تكليفي إلزامي - أي حرام - ولا يحتمل أن الجميع ليس فيه حكم تكليفي إلزامي، وحينئذٍ ما نجيب به في الشبهة البدوية نجيب به في الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي.

ومحصّل الجواب الذي يمكن ذكره:- إنَّ المناقضة بين الرخصة الظاهرية والتحريم الواقعي لا يخلو من أحد حالات أربع:-

الحالة الأولى:- أن يكون التناقض بين الرخصة الظاهرية والحرمة الواقعية بلحاظ نفس الحكم، يعني لا يمكن أن يكون الحكم الواقعي هو الحرمة ويكون الحكم الظاهري هو الاباحة فإن الاباحة ضد الحرمة، وحينئذٍ لا يمكن جعل الحكم الظاهري من باب أنَّ نفس الحكم الظاهري يتناقض مع الحكم الواقعي الذي هو الحرمة.

الحالة الثانية:- أن تكون المنافاة بلحاظ عالم الامتثال، لأن امتثال الحرمة يكون بالترك بينما امتثال الاباحة يمكن أن يكون بالفعل ولا يتوقف على الترك، كما لو كان احدهما يكون امتثاله بالفعل والآخر يكون امتثاله بالترك.

الحالة الثالثة:- أن تكون المنافاة بلحاظ عالم الملاك فيقال إنَّ الحرمة الواقعية ناشئة من ملاكٍ وهو المفسدة الواقعية بينما الاباحة ناشئة من مصلحة فيحصل التنافي بين المصلحة في الحكم الظاهري وبين المفسدة في متعلق الحكم الواقعي.

الحالة الرابعة:- أن يكون التنافي بلحاظ عالم المحركية، فإنَّ الحرمة تحرك نحو الترك بينما الحكم الظاهري إذا افرضنا أنه كان هو الاباحة فهو يحرك نحو الفعل.

وقد يقال إنَّ التناقض الذي تبنّاه الشيخ النائيني(قده) هو ناشئ إما بلحاظ نفس الحكم أو بلحاظ عالم الامتثال أو بلحاظ عالم الملاك أو بلحاظ عالم المحركية.

وفي الجواب نقول:-

أما التنافي بلحاظ نفس الحكم ففي مقام الجواب عنه قد يقال:- إنَّ الحكم اعتبار والاعتبار سهل المؤونة ولا محذور في أن يعتبر المولى الترك مرة ويعبر الرخصة في الفعل أخرى، وعليه فاجتماع اعتبارين من هذا القبيل لا محذور فيه.

ولكن نقول:- بما أنَّ المولى حكيم فلا معنى لأن يعتبر اعتبارين من هذا القبيل في شيءٍ واحد - بأن يعتبر الرخصة في الشيء ويعتبر الحرمة فيه أيضاً - ولا يتناسب ذلك مع المشرّع الحكيم، فنحن نسلّم بأن الحرمة هي اعتبار ولا استحالة في اعتبار المتنافيين، فيمكن أن نتعبر الوقت الآن ليلاً ونعتبره نهاراً أيضاً ولكن مادام المعتبر حكمياً فلا معنى لأن يعتبر مثل بهذا الاعتبار فإنه لا يتناسب وحكمة الحكيم.

وإنما نجيب بجواب آخر:- فإنه من حيث عالم الحكم لا محذور في اعتبار الحرمة للشيء - للخمر الواقعي مثلاً - فإن الحرمة يعتبرها المولى كحكم واقعي وفي نفس الوقت يعتبر الرخصة لمن لا يعلم بأن هذا الشيء خمراً، واجتماع اعتبارين بهذا الشكل شيءٌ وجيه، فالمولى يعتبر ثبوت الحرمة لشرب الخمر كحكمٍ واقعي ويعتبر أيضاً الرخصة لمن لا يعلم بهذا التحريم تسهيلاً على العباد حالة الشك فإنَّ الاحتياط صعب على المكلف ولا محذور في اجتماع هذين الحكمين فإنَّ الحكم اعتبار ولا محذور في اجتماع هذين الاعتبارين.

وأما إذا كان التنافي بلحاظ عالم الامتثال:- وقد قلنا في وجه التنافي في عالم الامتثال إنَّ امتثال الحرمة يكون بالترك بينما الاباحة يمكن أن يكون امتثالها بالفعل، وعلى هذا الاساس قد يقال إنَّ الحرمة هي اعتبارٌ ولا محذور في أن تجتمع مع اعتبارٍ آخر بالرخصة لمن لا يعلم بثبوت هذه الحرمة فلا مانع من هذين الاعتبارين بلحاظ عالم الامتثال لأنَّ الحرمة الثابتة في احد الانائين هي تستدعي الترك وهي معلومة ونحن فرضنا أنَّ كلامنا في الشبهة المحصورة حيث نعلم بأن أحد الاناءين حرام فهل يمكن للشارع أن يرخّص في كليهما فإنه قد يقال لا يمكن ذلك لأنه يوجد تنافي بلحاظ عالم الامتثال لأن المفروض أنَّ الحرمة معلومة وهي تستدعي الترك بينما الرخصة الظاهرية هي ثابتة لكيلهما فتحققت بذلك المنافاة بين الحرمة الواقعية التي تستدعي الترك لأحدهما على الاقل وبين الحلية الظاهرية في كليهما؛ إذ بالتالي سوف يصير المحرَّم حلالاً ولكنه حلال ظاهراً وبالحكم الظاهري فلا يجوز.

فجوابه أن يقال:- إنَّ تحريم الفعل - مثل شرب الخمر - هو وإن كان يستدعي الترك كما قيل ولكنه يستدعي الترك فيما إذا لم يرخّص المولى لنكتة عقلائية ولو كانت هي التسهيل على العباد، فعند الاشتباه يريد المولى أن يسهّل على العباد وحينئذٍ يرخص في كليهما وعليه فلا منافاة بين الحرمة الواقعية التي تستدعي الترك وبين جواز ارتكابهما ظاهراً تسهيلاً على العباد.