45/06/25
الموضوع: - النقطة الثالثة ( مسألة التحسين والتقبيح العقليين ) - الدليل العقلي.
وقع الكلام في العلم الاجمالي وهل هو منجّز كالعلم التفصيلي أو ليس بمنجز، وقلنا إنَّ المعروف بين الاصوليين أنه منجّز، نعم يوجد كلام في أنه منجّز بذاته أو بسبب تعارض الاصول فالاصول حينما تتعارض يبقى المكلف من دون مؤمّن فيصير العلم الاجمالي منجّزاً، ولكن هذا كلام جانبي.
وربما يخطر إلى الذهن إشكال على منجزية العلم الاجمالي بأن يقال:- إنَّ المكلف حينما يرتكب الطرف الاول لا يعلم بأنه هو الحرام ومعه كيف يتنجز عليه الترك؟!!، وهكذا حينما يريد أن يرتكب الطرف الثاني فهو لا يعلم بأنه حرام حتى يتنجّز عليه تركه؟!!، نعم بعد أن يفرغ من ارتكابهما معاً يعلم بأنه قد ارتكب الحرام إما في الطرف الأول أو في الطرف الثاني، ومن المعلوم أن تحصيل العلم بارتكاب الحرام ليس بحرام.
وفي الجواب عن هذه الشبهة يقال:- إنَّ نفس العلم بوجود الحرام بين الطرفين هو موجب عقلاً للزوم تركهما، فإنَّ العقل يقول بعد علمك بحرمة احدهما فقد تنجّز عليك ذلك الأحد - أي الحرام الواقعي - والاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني بتركهما معاً حتى يُجزَم أنه قد ترك الحرام، نعم لو كان عنده شك بدوي - بأن كان الطرف واحداً وليس اثنين ولا يدري أنه خمر أو ليس بخمر - فهنا يجوز ارتكاب الطرف لأنَّه لا يوجد علم اجمالي فيجري اصل البراءة، وأما إذا كان يعلم بأنَّ أحد الطرفين حرام فهنا العقل يحكم بلزوم ترك الطرف الاول لاحتمال كونه هو الحرام كما يحكم بلزوم ترك الطرف الثاني لاحتمال كونه هو الحرام والمؤمّن ليس بموجودٍ إذ أصل البراءة في الطرف الاول معارض بأصل البراءة في الطرف الثاني وهذا الحكم العقلي كافٍ في التنجيز، كما هو الحال بمن علم بوجود السمّ في أحد الأواني فإنَّه بما هو عاقل لا يرتكب أيّ واحدٍ منها. فإذاً العقل يحرّك نحو ترك الجميع مادام يُعلَم بأنَّ واحداً من الاطراف يجب اجتنابه شرعاً وهذه قضية واضحة.
وتوجد قضية ثانية مرتبطة بالعلم الاجمالي أيضاً:- وهي أنه وقع الخلاف في أنَّه هل العلم الاجمالي ينجّز حرمة المخالفة القطعية فقط أو أنه ينجّز وجوب الموافقة القطعية أيضاً؟
والجواب:- إنه ينجزهما معاً، ولا تقل: كيف الحال في المخالفة الاحتمالية فهل يجوز ارتكابها؟ قلنا:- لا يجوز ارتكابها، لإنَّ الواجب هو الموافقة القطعية، يعني حتى الاناء الواحد لا يجوز ارتكابه، فإنَّ العقل يقول مادمت بعلم بأنَّ واحداً من الاطراف حرام فلابد وأن تترك الجميع، فالواحد منها لا يجوز ارتكابه عقلاً، وهذا معناه عدم جواز ارتكاب المخالفة الاحتمالية أيضاً.
وتوجد قضية ثالثة أيضاً:- وهي أنه بعد كون العلم الاجمالي لحرمة المخالفة القطعية وقع الكلام في أنه هل يمكن الترخيص شرعاً في جميع الاطراف أو في بعضها أو لا يمكن ذلك؟
والجواب:- مرة نقول إنَّ العلم الاجمالي علّة تامة لوجوب الموافقة القطعية، وأخرى نقول هو مقتضي لوجوب الموافقة القطعية وليس علّة تامة - والمقتضي وحده لا يؤثر إلا بضم عدم المانع -، فإن قلنا بأنه علَّة تامة لتنجيز وجوب الموافقة القطعية فحينئذٍ لا يمكن الإذن في المخالفة حتى في الطرف الواحد فضلاً عن الطرفين، وإن قلنا إنه مقتضي لها - ومعنى المقتضي أنه يؤثر في وجوب الاجتناب عن كليهما إذا لم يأذن الشارع في ارتكاب أحدهما – فحينئذٍ يوجد مجال للإذن في ارتكاب احدهما[1] .
الاقوال في منجزية العلم الاجمالي:-
الاقوال المعروفة في منجزية العلم الاجمالي ثلاثة:-
الأول:- إنه علّة تامة لوجوب الموافقة القطعية ولحرمة المخالفة القطعية معاً.
الثاني:- إنه مقتضٍ لكيلهما، فهو يؤثر في وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية إذا لم يرخّص الشارع بالخلاف.
الثالث:- إنه علّة تامة لحرمة المخالفة القطعية، وهو بنحو المقتضي لوجوب الموافقة القطعية.
وينبغي الالتفات إلى قضية اخرى:- وهي أنَّ لأصوليين بحثوا عن العلم الاجمالي مرتين، فمرة بحثوه في مبحث القطع، وأخرى بحثوه في مبحث البراءة والاشتغال، والشيخ الاعظم(قده) في فرائده بحث حرمة المخالفة القطعية في مبحث القطع وبحث وجوب الموافقة القطعية في مبحث البراءة والاشتغال لكي لا يحصل تكرار في البحث كما صنع القدماء، وأما الشيخ الخراساني(قده) فقد بحثهما معاً في مبحث القطع، ولعل ما صنعه الشيخ الخراساني(قده) أولى فإنَّ كلا البحثين هما من شؤون القطع، فحرمة المخالفة القطعية هي من شؤون القطع يعني أنَّ القطع هل يجوز مخالفته القطعية - لأنه إذا كان العلم الاجمالي موجوداً فهذا يعني أنه يوجد قطعٌ اجمالي بوجود الحرام - فمن شؤون القطع أن يبحث هل مخالفته القطعية جائزة أو لا؟، وهكذا وجوب الموافقة القطعية هي أيضاً من شؤون القطع فيقال هل القطع يستلزم وجوب الموافقة القطعية أو لا؟