45/06/23
الموضوع: النقطة الثالثة ( مسألة التحسين والتقبيح العقليين ) - الدليل العقلي.
النقطة الثالثة: مسألة التحسين والتقبيح العقليين.
يقع الكلام مرة في الاحكام القعلية النظرية، وأخرى يقع في الاحكام العقلية العملية.
أما الاحكام العقلية النظرية:- فمجالها ثلاثة أمور - كما ذكرنا سابقاً - أولها ادراك الملاك، وثانيها ادراك الملازمات، وثالثها ادراك الاستحالة والامكان، وقد نسب إلى الاخباريين عدم حجية القطع في الأحكام العقلية النظرية لأجل ما تقدم - من كثرة الخطأ في الاحكام العقلية وللروايات -، وقد تقدم الكلام في ذلك.
وأما الاحكام العملية:- والتي يعبر عنها في لسان المتكلمين بمسألة الحسن والقبح، وفي لسان الاشاعرة بالخير والشر، وفي لسان علماء الاخلاق بالفضيلة والرذيلة، والمتعارف عندنا في علم الاصول هو الحسن فالكلام فيها يقع في أنه هل يدرك العقل حسن الاشياء وقبحها أو لا؟
والجواب:- ذهب الاخباريون إلى أنه لا يدرك ذلك.
وفي مقصودهم يوجد احتمالان:-
الاحتمال الاول:- لا يحق للعقل الحكم بحسن الاشياء وقبحها فإنَّ المدار في حسن الاشياء وقبحها على حكم الشارع لا على حكم العقل، فما حسّنه الشرع فهو حسن وما قبّحه الشرع فهو قبيح.
الاحتمال الثاني:- التسليم بأنَّ العقل يحكم بالحسن والقبح ولكن حكمه ليس بحجة ولا يعتمد عليه.
واشكل الشيخ النائيني والسيد الخوئي(قده) على الاشاعرة والاخباريين باسشكالين:-
الاشكال الأول:- إنه بناءً على هذا لا يمكن اثبات نبوة الانبياء، لأنَّ مدَّعي النبوة حتى لو أتى بمعجزٍ فإذا لم نسلّم بمسألة التحسين والتقبيح العقليين فيمكن أن يكون الله تعالى قد اجرى المعجز على يد هذا الكاذب ولا جواب ولا ردَّ على هذا إلا أن يقال من القبيح عقلاً أن يجري الله تعالى المعجز على يد مدّعي النبوة كذباً.
وفي التعليق على ما ذكره العلمان نقول:- إنَّ طريق اثبات نبوة الانبياء عليهم السلام لا ينحصر بمسألة التحسين والتقبيح العقليين وإنما يمكن اثباتها من طريق آخر، ولنأخذ نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله كمثال فنقول: إنَّ اثبات نبوته صلى الله عليه وآله لا يتوقف على مسألة قبح اجراء المعجز على يد الكاذب وإنما نثبتها من طريق مسألة حساب الاحتمال وذلك حسب المقدمات التالية:-
المقدمة الاولى:- إذا لاحظنا تاريخ نبينا محمد صلى الله عيله وآله لوجدناه تاريخاً ناصعاً ولا يوجد أي غمزٍ من قبل أي أحد ولم يسجَّل عليه أي انحراف، وهذه قضية واضحة ومن المسلّمات.
المقدمة الثانية:- إنَّ الله عزَّ وجل لم يجر المعجز مرّةً على يد كاذب أبداً، وذلك لا من باب أنه قبيح بل من باب أنه لم يصنع ذلك أبداً والتاريخ يشهد بذلك.
المقدمة الثالثة:- إنَّ نبينا محمد صلى الله عليه وآله أتى بالقرآن الكريم، وإذا قرأنا القرآن الكريم لعرفنا أنه ليس من صنع البشرلما يحتويه من علوم، ومن الشواهد على ذلك قوله تعالى:- ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾[1] فإنَّ هذا اخبارٌ لا يتوصل إليه حتى علماء الفلك والفضاء في وقتنا الحاضر والحال أنَّ شخصاً من الجزيرة العربية قبل فترة زمنية طويلة جداً قد أتي بقرآنٍ فيه مثل هذه الآية الكريمة، وعليه فلا يحتمل أنه جاء به من صنع نفسه بل لابد من وجود اتصالٍ بينه وبين بقوة غيبية امدته به.
المقدمة الرابعة:- إنَّ النبي صلى الله عليه وآله عاش في محيطٍ جاهلي مليء بالحروب والنعرات والحياة البدوية الخالية من الثقافة.
فلو جمعنا هذه المقدمات - ولعله توجد مقدمات اخرى غيرها - لحصل لنا الجزم بأنه نبي، وعليه فمسألة اثبات النبوة ليست من باب قبح اجراء المعجز على يد الانسان الكاذب وإنما من باب حساب الاحتمال.
وهذا الاستدلال كما طبقناه في حق نبينا محمد صلى الله عليه وآله يتم تطبيقه في حق بيقة الانبياء عليه السلام كموسى وعيسى عليهما السلام، فإنَّ عيسى عليه السلام جاءت به أمه وهو لم يدخل مدرسة ولم ويتعلم ولكنه جاء بأمور غريبة معجزة، فنفس ما ذكرناه في حق نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يأتي في حقه وفي حق غيره من الانبياء عليهم السلام، وبهذا يتضح أنَّ ما افاده العلمان في هذا الاشكال ليس بتام.