45/06/20
الموضوع: - الجواب الثالث والرابع على ادلة الاخباريين لعدم حجية الدليل العقلي - الدليل العقلي.
وبعد قراءة تمام رواية هاشم صاحب البريد قد اتضح المقصود منها: فإنَّ الامام عليه السلام يريد أن يقول إنَّ قاعدة (أما أنه شرٌّ عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا) ناظرة إلى دائرة خاصة وهي دائرة تكفير الاشخاص وليست هي قاعدة مطلقة، فالامام عليه السلام يريد أن يقول لا تكفّر شخصاً ما لم تسمع منا تكفيره لا أنه يريد أن يعطي قاعدة عامة في مطلق الاحكام وأنَّ المدار في اثباتها هو القطع من جهة الشرع لا من جهة العقل.
إن قلت:- لماذا ضيقت القاعدة بخصوص التكفير؟
قلت:- إنَّ الحديث كان عن التكفير، لأنَّ الذين سألوا الامام عليه السلام قد كفّروا أشخاصاً ثم جاءوا يحكّمونه في ذلك، وهذا ما يدل عليه سياق الرواية. وبقطع النظر عن قرينة السياق نقول لا يمكن الالتزام بهذه القاعدة على اطلاقها - وأنَّ المدار في الحكم بالشيء يكون على أن سماعه من الشرع - فإنَّ ذلك له لوازم باطلة لا يمكن الالتزام بها، فمثلاً ضرب الابوين ليس بجائز ولكن الدليل عليه هو حكم العقل وليس حكم الشرع فإنَّ الآية الكريمة تقول ﴿ ولا تقل لهما أف ﴾ فيأتي العقل ويقول إنَّ الضرب لهما غير جائز بالأولوية، ومثلاً الرواية الواردة في تنجس الثوب حيث قالت إذا لاقى الثوب الدم فيلزم غسله ولا تجوز الصلاة فيه ولكن العرف يلغي خصوصية الثوب ويتعدى إلى العباءة والقباء مثلاً والحال أنَّ هذا التعدي لم يحصل من طريق الشرع وإنما حصل من طريق العقل، فتحكيم العقل في حدودٍ معقولة قضية مسلّمة وضرورية وإلا سنخرج بفقهٍ جديد، فيلزم مثلاً أن نقول إنَّ ضرب الأبوين جائز لأننا سوف نجري البراءة ونبطل الاولوية لأنها عقلية، أو لا نتعدى من نجاسة الثوب إلى القباء وغيره ... وهكذا في موارد كثيرة. فإذاً هذه الرواية لا يمكن أن نستفيد منها عدم حجية القطع العقلي وإنما هي واردة في خصوص دائرة تكفير الاشخاص فقط.
مضافاً إلى ما ذكرنا توجد روايات تمجّد العقل وأنه يلزم على الانسان أن يحّكم عقله وأنَّ الله تعالى اعطاه العقل كي يستفيد منه، فلو كان الأخذ بما يحكم به العقل ليس بحجة لصار هذا التمجيد لا معنى له، ومن امثلة ذلك ما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام:- ( حجة الله على العباد النبي والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل )[1] ، وعن أبي جعفر عليه السلام:- ( لما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل ثم قال أدبر فأدبر فقال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحسن منك غياك آمر وإياك أنهى وإياك اثيب وإياك اعاقب )[2] ، وما رود عن الحسن بن الجهم عن الرضا:- ( صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله )[3] ، وما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر:- ( إنما يداق الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا )[4] .
وعليه فلا معنى لملاحظة الروايات الناهية عن اتباع العقل وترك الروايات الدالة على اتباعه، بل لابد من الجمع بينهما بتخصيص الروايات الناهية عن العمل بحكم العقل بحالة عدم حصول القطع العقلي.