الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الجواب الثالث والرابع على ادلة الاخباريين لعدم حجية الدليل العقلي - الدليل العقلي.

 

الرواية الرابعة:- ما دل على لزوم كون جميع الاعمال بدلالة ولي الله، من قبيل صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام:- ( ... أما لو أنَّ رجلاً صام نهاره وقام ليله وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه وتكون جميع اعماله بدلالته إليه ما كان له على الله ثوب ولا كان من اهل الايمان )[1] .

وتقريب الدلالة واضح حيث يقال:- إنَّ الحديث دل على أنَّ كل الاعمال لابد وأن يصير بدلالة ولي الله يعني يلزم أن يكون أخذ الاحكام من الشرع وليس من العقل، فهي تردع عن أخذ الاحكام من العقل.

ويرده:-

أولاً:- يمكن أن تكون هذه الرواية ناظرة إلى مسألة قبول الاعمال وليس إلى مسألة صحة العمل وأنه يلزم أن يكون من القطع الشرعي لا من القطع العقلي، فهي ليست ناظرة إلى شرط صحة العمل بل ناظرة إلى شرط قبول العمل والقبول مرحلة أعلى من مرحلة الصحة، ولعله ورد في بعض الروايات أن من قبلت منه صلاة واحدة دخل الجنة، فهذه الرواية يحتمل أنها ناظرة إلى مرحلة القبول وليست ناظرة إلى مرحلة صحة العمل وأنَّ صحة العمل تتوقف على أن يكون القطع من الشرع وليس من العقل ويكفينا الاحتمال في عدم امكان اثبات ما اراده الاخباري منها.

ثانياً:- لو تنزلنا وقلنا إنَّها ليست ناظرة إلى قبول الاعمال ولكن نقول إنه مع ذلك لا تنفع الاخباري فإنها ناظرة إلى حالة وجود دلالة من ولي الله، يعني أنها ناظرة إلى حالة وجود حديث من الامام عليه السلام في المسألة ولكن المكلف يترك ذلك الحديث ويعمل بقطعه العقلي، فهي تنهى عن هذه الحالة، وأما إذا فرض عدم وجود نصَّ شرعي - كما هو الحال في مقامنا - وأردنا العمل بالقطع العقلي فهي ليست ناظرة إليه.

الرواية الخامسة:- ما دل على الردع عن القول بشيءٍ إذا لم يُسمَع من أهل البيت عليهم السلام، من قبيل قوله عليه السلام:- ( أما أنه شرٌّ عليكم أن تقولوا بشيءٍ ما لم تسمعوه منا )[2] ، ولعل أحسن ما يمكن أن يتمسك به الاخباري هو هذه الرواية لأنها صريحة في ذلك فإنه يفهم منها أنه حتى العقل إذا حكم فهذا شرٌّ أن تأخذ به إذا لم تسمعه من الشرع، وعليه فما قطع به العقل إذا لم تسمعه من الشرع فالأخذ به يكون شرّاً يعني حرام ولا يجوز ولا يكفي.

والجواب:- لو كانت الرواية بهذا المقدار فقط فاستدلال الاخباري بها ما يريد يكون تاماً، ولكن صاحب الوسائل(قده) نقل منها هذا المقدار ولم ينقلها بتمامها، ولو رجعنا إلى الكافي وقرأناها بكاملها لكان الجواب عنها واضحاً، حيث روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن هاشم[3] صاحب البريد قال:- ( كنت أنا ومحمد من مسلم وأبو الخطاب مجتمعين فقال لنا أبو الخطاب ما تقولون فيمن لم يعرف هذا الامر؟ فقلت:- من لم يعرف هذا الامر فهو كافر، فقال أبو الخطاب:- ليس بكافر حتى تقوم عليه الحجة ... فقال له محمد بن مسلم:- سبحان الله ماله إذا لم يعرف ولم يجحد يكفَّر؟ِ! ليس بكافر إذا لم يجحد، قال:- فلما حججت دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فاخبرته بذلك، فقال:- إنك قد حضرت وغابا ولكن موعدكم الليلة الجمرة الوسطى بمنى فلما كانت الليلة اجتمعنا عنده ... ثم قال:- ما تقولون في خدمكم ونسائكم وأهليكم أليس يشهدون ألا إله إلا الله؟ قلت:- بلى، قال:- أليس يشهدون أن محمداً رسول الله؟ قلت:- بلى، قال:- أليس يصومون ويصلون ويحجون؟ قلت:- بلى، قال:- ايعرفون ما انتم عليه؟ قلت لا، قال:- فما هم عندكم؟ قلت:- من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر ... ثم قال عليه السلام:- سبحان الله هذا قول الخوارج، ثم قال:- إن شئتم اخبرتكم؟ فقلت:- أنا لا، فقال عليه السلام:- أما أنه شرّ عليكم أن تقولوا بشيءٍ ما لم تسمعوه منّا)[4] ، فالرواية هذا هو موردها.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص42، أبواب صفات القاضي، باب6، ح13، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص70، أبواب صفات القاضي، باب7، ح5، ط آل البيت.
[3] هاشم صاحب البريد:- مجهول.
[4] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص402.