45/06/18
الموضوع: - الجواب الثالث والرابع على ادلة الاخباريين لعدم حجية الدليل العقلي - الدليل العقلي.
وفي الجواب نقول:- إنَّ غاية ما تدل عليه هذه الرواية هو أنه إذا جاءكم شيء من قبل الشرع وعلمتم به فخذوا به، فالاحكام المنقولة لا يجوز قبولها إلا بشرط تحقق العلم بها، وأما الاحكام غير المنقولة عنهم عليهم السلام - وهي الاحكام العقلية - فلم يقل الحديث لا تأخذوا بها وإن حصل لكم العلم بها.
وبعبارةٍ اخرى:- إنَّ غاية ما يفهم من هذه الرواية أنه إذا جاءكم خبر من طريق أهل البيت عليهم السلا فشرط جواز العمل به هو أن تعلم به، أما إذا فرض أنَّ الشيء لم يكن وارداً من أهل البيت عليهم السلام وأنَّ القضية لم تكن قضية خبر - بل لا يوجد خبر - وإنما كانت قضية اخرى كمقدمة الواجب هل هي واجبة أو لا فإنَّ هذه القضية لم يرد فيها خبر ولكن حَكَمَ العقل بأنها واجبة لتوقف فعل ذي المقدمة عليها فهذا الامر لم تتعرض إليه هذه الرواية لا سلباً ولا ايجاباً.
الرواية الثانية:- ما دل على النهي عن القياس، وهي ما رواه أبي شبية قال:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- ضل علم ابن شبرمة عند الجامعة املاء رسول الله صلىى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام بيده، إنَّ الجامعة لم تدع لأحد كلاماً فيها علم الحلال والحرام، إنَّ اصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدادوا من الحق ألا بعداً، إنَّ دين الله لا يصاب بالقياس )[1] .
والجامعة هي عبارة عن جلد حيوان كتب عليه ما ألقاه النبي صلى الله عليه وآله على أمير المؤمنين عليه السلام وفيها كل حلال وحرام.
وتقريب الدلالة:- انها دلت على أنَّ كل ما هو موجود في الجامعة يلزم على المؤمنين أخذه والعمل به وأما ما ليس فيها - وهي الاحكام العقلية التي يعتمد فيها على القطع العقلي - فلا يؤخذ به، وعليه فهي تدل على لزوم الاخذ بما ورد في الجامعة دون ما لا يوجد فيها أي دون ما يؤخذ من مقدمات عقلية.
وفي التعليق نقول:- إنَّ غاية ما يستفاد منها أنَّ كل ما يذكره اهل البيت عليهم السلام هو موجود في الجامعة، فمصدر علمهم هو الجامعة وغيرها من الكتب التي يتوارثونها ولا تدل على أنَّ ما لا يوجد في الجامعة - من الامور غير المنقولة وإنما كان من الامور العقلية كحكم العقل بوجوب مقدمة الواجب - لا عبرة به حتى لو حصل العلم به، وعليه تصير الرواية اجنبية عن المقام.
الرواية الثالثة:- ما دل على النهي عن العمل بالرأي والاعتماد عليه، من قبيل ما وري عن أبي جعفر عليه السلام قال:- ( من افتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم )[2] ، فإنها دلت على أنَّ كل من افتى الناس برأيه - من دون استناد إلى ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام - فهو باطل وقد عبد الله بما لا يعلم، والذي يأخذ بالقضايا العقلية يكون قد دان الله بما لا يعلم، فلا تكون القضايا العقلية حجة.
وفي الجواب نقول:-
أولاً:- إنَّ الحديث منصرف إلى حالة وجود حكم شرعي منقول في الكتب الحديثية لكن المكلف يأخذ بما يقتضيه حكم عقله من دون أن يبحث عنه في مضانه، فالمردوع عنه هو هذا الفعل، والمفروض في المقام أنّا لا نفعل ذلك وإنما نأخذ بحكم العقل في موردٍ لا توجد فيه آية ولا رواية - كوجوب مقدمة الواجب عقلاً حيث يحكم العقل بوجوب المقدمة - وهذا ليس مشمولاً لمثل هذه الرواية.
ثانياً:- إنَّ المقصود من الرأي المذكور في قوله عليه السلام ( من دان الله برأيه ) هو الظن والاستحسان، فيكون المعنى أنَّ من يعتمد على الظن والاستحسان فقد دان الله بما لا يعلم، وعليه فالرواية ليست ناظرة إلى حالة العلم والقطع بأنَّ مقدمة الواجب واجبة وإلا فلا يمكن الاتيان بالواجب إذا لم يؤت بمقدمته فإنَّ مثل هذا الحكم العقلي ليس مشمولاً لهذه الرواية.