الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الجواب الثالث والرابع على ادلة الاخباريين لعدم حجية الدليل العقلي - الدليل العقلي

 

الجواب الثالث: لابد من التفرقة بين القطع بالمعنى الاصولي والقطع بالمعنى المنطقي، فإنه في المنطق قد يفسَّر العلم والقطع بخصوص ما كان مصيباً للواقع، وأما في علم الاصول فيراد به كل قطعٍ بقطع النظر عن كونه مصيباً أو مخطئاً فإنَّ المطلب المهم الذي يلحظه الاصولي بالنسبة إلى القطع هو المنجزية والمعذرية وأنَّ القطع منجّز ومعذّر وهذا لا يرتبط بكون القطع مصيباً للواقع، بل كل قطعٍ إذا حصل فهو منجّز ومعذّر ولا يؤخذ فيه قيد أن يكون مصيباً وليس مخطئاً، فمادام القطع موجوداً ولا أحتمل خطأه فسوف يكون منجزاً ومعذراً، فمسألة الاصابة والخطأ ينبغي أن تطرح جانباً في البحث الاصولي، ففي البحث الاصولي بما أنَّ المطلوب في القطع هو التنجيز والتعذير والتنجيز والتعذير ثابتان لكل قطع لا بقيد أن يكون مصيباً - فإنَّ الاصابة لا يعرفها إلى المولى عزَّ وجل – فعليه يكون كل قطع حجة بمعنى التنجيز والتعذير لأنه لا يحتمل خطأه وإلا لم يكن قطعاً.

الجواب الرابع: إننا نسأل الاخباري ونقول له: إنَّ هذه القضية التي انتهيت إليها - وهي أنَّ القطع الحاصل من مقدمات عقلية ليس بحجة - هل أنت قاطعٌ بها أو ليس بقاطعٍ بها؟ فإن لم تكن قاطعاً بها فلا قيمة لها، وإن كنت قاطعاً بها فإذاً كيف قطعت بها والحال أنه لم تدل عليها مستندات شرعية كالروايات وإنما أنت قد انتهيت إليها من خلال ضم أمور اخرى هي ليست نصوصاً شرعية، وعليه فلا عبرة بقطعك باعتراف نفسك.

وأما الدليل الثاني للاخباري – وهو النصوص - فيمكن مناقشته بأن يقال:- إنه استند إلى مجموعة أخبارٍ تدل على عدم حجية القطع الحاصل من غير الشرع، من قبيل موثقة سماعة عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال:- ( إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به، وإن جاءكم ما لا تعلمون فها - وأهوى بيده إلى فيه - ثم قال:- لعن الله ... كان يقول قال علي وقلت أنا وقالت الصحابة وقلت أنا ... )[1] ، فإنَّ هذا الحديث يراد أن يستدل به على أنَّ المدار على ما يصل من الشرع لا من غيره، فمتى ما حصل القطع من الشرع فحينئذٍ يكون هذا القطع حجة وإلا فلا، حيث ورد في الرواية تعبير ( إذا جاءكم ) وليس المقصود مهنا هو ما جاءكم من الاتجاه الآخر بل المقصود هو ما جاءكم من الشرع بقرينة تعبير (منّا)، فالامام عليه السلام يقول ما تعلمون أنه صادر منَّا فخذوا به، فالرواية واضحة في كون المقصود هو ما جاء عن أهل البيت عليهم السلام وإلا فلا يوجد احتمال آخر بعد التعبير بفقرة ( إذا جاءكم )، فإذاً المدار على العلم الحاصل من المجيء من طريق أهل البيت عليهم السلام لا من غيره.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص38، أبواب صفات القاضي، باب6، ح3، ط آل البيت.