45/06/16
الموضوع: - الدليل العقلي.
ويمكن التوصل إلى ما اراده الشيخ النائيني(قده) من دون حاجة إلى جعلين بل يكفي جعل واحد، وذلك بأن نقول:- إنَّ الحكم ينحل إلى مرحلتين، الاولى مرحلة الانشاء - أي جعل الوجوب أو الحرمة - والثانية مرحلة الفعلية عند تحقق الموضوع خارجاً، ويقيّد الفعلية بما إذا حصل العلم بالجعل من الشرع دون العقل فيقول ( ويجب الامتثال إذا حصل العلم بأصل الجعل من الشرع لا من العقل). ولكن هذه قضية علمية ولا يظهر هناك فرق.
ويرد على ذلك:- إنه على كلا التقريبين يرد محذور المناقضة في نظر المكلف، فالمكلف لا يتقبَّل مثل الحكم المذكور، فإنه حينما قطع بالجعل فسوف يقطع بالوجوب عند تحقق الشرط، فإذا فرضنا أنَّ الفعلية كانت مقيدة بعدم العلم بأصل الجعل من العقل وأنما يلزم أن تكون من قبل الشرع فسوف تحصل المناقضة بين القطعين، بين القطع الاول بما له من نتيجة وبين القطع الثاني، فالقطع الاول يقول يجب عليك التنفيذ مادمت قد قطعت، والقطع الثاني يقول لا يجب عليك التنفيذ قطعاً لأنَّ القطع بالجعل - اي القطع الاول - قد حصل من العقل لا من الشرع، وعليه فسوف تلزم المناقضة ولا يكون هذا القطع حجة.
وأما النقطة الثانية:- فعلى ما يستفاد من كلمات الاخباريين أنَّ المستند لهم هما الوجهان التاليان:-
الوجه الأول:- ويمكن أن يبين ببيانين:-
البيان الاول:- إنَّ الخطأ في القضايا العقلية كثير، ومعه فلا يمكن حصول القطع من العقل بعد العلم بخطأه الكثير.
البيان الثاني:- إنَّ مجموع القطوع التي تحصل للعاقل عادةً لو كانت مائة قطعً مثلاً وكان المخطئ منها عشرة - إذ لا يحتمل أن تكون كل هذه القطوع مصيبة - فالذي يجزم بكونه خطأ هو عشرة قطوع وأما البقية - وهي التسعين قطعاً - فهي مصيب، وعلى هذا الاساس كل قطعٍ يحصل للمكلف تكون نسبة الخطأ فيه هي عشرة بالمائة ونسبة الصحة فيه هي تسعين بالمائة وعلى هذا الاساس لا يمكن أن يكون هذا القطع حجة بعدما كانت فيه نسبة من الخطأ.
والفارق العملي بين هذين البيانين:- هو أنه في البيان الأول يلزم عدم امكان حصول القطع من العقل لأنَّ الخطأ في القضايا العقلية كثير وهذا لازمه أن لا يحصل القطع من الحكم العقلي، وأما على البيان الثاني يمكن أن يحصل القطع ولكن حتى لو حصل القطع لا يجوز الاعتماد عليه لأنَّ نسبة الاصابة فيه ليست تامة - مائة بمائة - وإنما هي ناقصة - أي بنسبة تسعين بالمائة مثلاً - فلا يكون حجة.
الوجه الثاني:- التمسيك بالاخبار الرادعة عن العمل بالقطع.
في المناقشة نقول:-
أما بالنسبة إلى الوجه الاول:-
فيمكن أن يقال نقضاً:- لو تم ما ذكر فهو يأتي في الأدلة الشرعية أيضاً، فإنَّ ما يحصل للفقيه الاول من قطعٍ من الدليل الشرعي وما يحصل للفقيه الثاني من قطعٍ من الدليل الشرعي ... وهكذا إلى الفقيه المائة لا يحتمل أن يكونوا مصيبون بأجمعهم، وعليه يلزم أن يسري ما ذكروه في القطع العقلي إلى القطع الحاصل للفقيه من الشرع.
كما يمكن أن يقال حلاً:- إنَّ ما ذكر يتم فيما إذا لاحظنا جميع القطوع الحاصلة لكل الفقهاء فهنا تكون نسبة الخطأ عشرة بالمائة مثلاً، ولكن لا معنى لملاحظة قطوع بقية الفقهاء بل كل فقيه يلاحظ قطوع نفسه، وقطوع نفسه لا يعلم بخطأ بعضها، بل لو تنزّلنا وسلّمنا بكون بعضها مخطئاً ولكن نقول إنَّ المخطئ منها هو البعض الذي مضى لا القطع الذي بيده، فإنَّ القطع الذي بيده لا يحتمل كونه خطأً وإلا لم يكن قطعاً، وعليه فما استندوا إليه في هذا الوجه ليس بتام.