الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - كيف نوجه الوجدان؟ - اخذ العلم بالحكم في موضوعه - اقسام القطع - حجية القطع.

 

كيف نوجه الوجدان؟

والمقصود انَّ تقييد موضوع الحكم بالعلم به عرفنا أنه يلزم منه الدور أو غيره لا ببيان العلامة بل ببيانٍ آخر قد ذكرناه، وحينئذٍ نقول:- إذا كان هذا مستحيلاً فإذاً كيف نوجّه ما نشعر به بالوجدان من أنَّ الاحكام يمكن تقييدها بحالة العلم بها بل هو واقع فعلاً وليس شعوراً وجدانياً فقط كما في الجهر والاخفات والقصر والتمام، فإنَّ من جهر في موضع الاخفات أو بالعكس جاهلاً بذلك صحت صلاته وإنما وجوب الجهر هو ثابت في حق العالم، وهكذا الحال في القصر والتمام، فتقييد الاحكام بحالة العلم قضية واقعة لا أنها ممكنة أو غير ممكنة وعليه فكيف نوجه هذا فهل هناك توجيه نرفع به الدور؟

والجواب:- نعم يمكن أخذ العلم في موضوع نفس الحكم من دون أن يلزم محذور الدور وذلك بأن يقال: إنَّ الحكم يمر بمرحلتين مرحلة التشريع ومرحلة الفعلية - ولعله توجد مراحل أخرى ولكن لا تهمنا الآن - وكلنا يسلّم بهاتين المرحلتين، فيمكن للمولى أن يقول ( يجب الحج على السمتطيع بالفعل إن كان عالماً بالجعل - أي بأصل التشريع - ) وبهذا يرتفع الدور؛ إذ فعلية الوجوب تكون موقوفة على العلم بالتشريع، والعلم بالتشريع ليس موقوفاً على الفعلية وإنما هو موقوف على التعلّم، وعليه فلا يلزم الدور، وبذلك توصلنا إلى اختصاص الحكم بالعالم بذلك الحكم من دون أن يلزم دور في البين، فنحن لا نريد أن نأخذ ثبوت الفعلية مشروطة بالعلم بالفعلية حتى يلزم الدور، بل أخذنا ثبوت الفعلية موقوفاً على العلم بالانشاء والجعل فلا دور.

وأشكل السيد الخوئي(قده)[1] على هذه الفكرة بما حاصله:- إذا اردنا أن نأخذ فعلية الحكم مقيدة بالعلم بالجعل - كفعلية وجوب الحج - فحينئذٍ نقول إنَّ ثبوت الفعلية في حق زيدٍ هل تتوقف على العلم بالجعل في حق عمروٍ أو أنها تتوقف على العلم بالجعل في حق زيد؟ وكلاهما باطل، أما أنَّ الأول باطل فلأن الجعل لا ينتسب إلى زيدٍ إلا بعد فعلية موضوعه - وهو الاستطاعة التي هي موضوع وجوب الحج - ومع فعيلة الموضوع يصير الحكم فعلياً والجعل يصير فعلياً فيلزم أن تكون مرحلة الفعلية مقيدة بالفعلية وهذا من توقفٌ الشيء على نفسه، وأما إذا اخذت فعلية الوجوب في حق زيدٍ مقيدةً بالعلم بالجعل في حق عمروٍ فهذا لا معنى له في حدّ نفسه فإنه إذا كان هناك تقييد فلابد وأن يكون القيد هو العلم بالجعل في حق زيدٍ لا العلم بالجعل في حق الآخرين.

والجواب عنه واضح حيث نقول:- إنَّ فعلية الحكم - مثل فعلية وجوب الحج أو الصلاة أو الصوم - مقيدة بتقييدٍ آخر غير ما ذكره السيد الخوئي(قده)، وهو أنَّ فعلية وجوب الحج في حق زيدٍ موقوفة على العلم بأصل الجعل الكلي في الشريعة الاسلامية - مثل ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ﴾ - لا أنَّ الفعلية مقيدة بالعلم بالجعل الثابت في حق زيدٍ أو بالعلم بالجعل الثابت في حق عمروٍ.

وعليه فالصحيح هو أنَّ فعلية كل حكم يمكن أن تقيد بالعلم بأصل الجعل، ففعلية وجوب الصلاة أو وجوب الصوم مثلاً مقيدة بالعلم بأصل الجعل - أي بأصل تشريع وجوب الصوم أو الصلاة - لا أنها مقيدة بالجعل والتشريع في حق زيدٍ فإنَّ هذا لا معنى له.


[1] مصباح الأصول، السيد الخوئي، ج2، ص50.