الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - اخذ العلم بالحكم في موضوعه - اقسام القطع - حجية القطع.

اخذ العلم بالحكم في موضوعه:

من الواضح أنَّ أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم له عدّة أنحاء، فمرة يؤخذ العلم بالحكم في موضوع حكمٍ آخر مخالف كما إذا قيل ( إذا علمت برؤية الهلال فيجب عليك الصوم ) فهنا العلم بشيءٍ أخذ في موضوع حكم آخر وهذا لا محذور فيه، ومرّة يؤخذ العلم بالحكم في موضوع حكم آخر مماثل كما لو قيل ( إذا علمت بوجوب الصلاة فوجبت عليك بوجوب آخر ) وهذا لا بأس به أيضاً، ولا كلام في هذين القسمين، وإنما الكلام فيما لو أخذ العلم بالحكم في نفس موضوع الحكم كما لو قيل ( إذا علمت بوجوب الصلاة ثبت لها ذلك الوجوب الذي علمت به )، فالعلم بالوجوب هنا شرط في ثبوت نفس الوجوب وهو ما يعبر عنه بـ( أخذ العلم بالحكم في موضوع نفس الحكم ) فهل هذا ممكن أو غير ممكن؟

الجواب:- ذكر العلامة(قده) في بعض كلماته في مقام الردّ على من قال باختصاص الحكم بالعالمين أنَّ هذا ليس بجائز للزوم الدور، بدعوى أنَّ الحكم إذا كان موقوفاً على العلم به والمفروض أنَّ العلم بالحكم فرع ثبوت الحكم فحينئذٍ يلزم توقف ثبوت الحكم على ثبوت الحكم وهو دور.

وتقريب الدور الذي ذكره العلامة محل تأمل واشكال:- والوجه في ذلك هو أنَّ المقدمة الثانية التي ذكرها - وهي أنَّ العلم بالحكم فرع ثبوت الحكم - واضحة الوهن والبطلان، فإنَّ العلم بالحكم لا يتوقف على ثبوت الحكم، يعني أنَّ العلم بالشيء لا يتوقف على ثبوت ذلك الشيء وإلا كان كل علم مصيباً ولا يوجد علم مخطئ، والصحيح هو أنَّ العلم بالشيء فرع تصوّر ذلك الشيء، فالعلم بالشيء لا يتوقف على ثبوت ذلك الشيء خارجاً بل يتوقف على صورته الذهنية وإلا كان كل علم مصيباً، كما أنَّ العلم أمرٌ ذهني فكيف يتعلق بالأمر الخارجي فإنَّ لازم ذلك إما خروج ما في الذهن إلى الخارج أو دخول ما في الخارج إلى الذهن وكلاهما مستحيل، وعليه فما ذكره العلامة في مقام بيان الدور قابل للمناقشة من هاتين الناحيتين.

ولكن نقول:- نحن نسلّم بلزوم الدور الذي ذكره العلامة(قده) ولكن ليس للبيان الذي ذكره وإنما لوجهين آخرين:-

الأول:- إنَّ مثل هذا الحكم لا يمكن تشريعه في حدّ نفسه، والوجه في ذلك واضح فإنه لا يمكن أن يصدّق به عاقل؛ إذ لازمه أنه متى ما علمت فحينئذٍ سوف ثبت الحكم، يعني أنَّ علمي سوف يولّد الحكم وهذا لا يقبل به عاقل، بل الصحيح هو أنَّ العلم موقوفٌ على ثبوت المعلوم في المرحلة السابقة، فإذا ثبت المعلوم في المرحلة السابقة فآنذاك يتعلق به العلم لا أنَّ العلم يولّد المعلوم، وهذا من الامور البديهية.

الثاني:- إنه يلزم ثبوت الدور في مرحلة وصول الحكم إلى المكلف؛ إذ المفروض أنَّ الحكم لا يثبت إلا بعد العلم به، والعلم به فرع ثبوت العلم، فلزم من ذلك الدور، يعني أنَّ العلم بالحكم صار موقوفاً على العلم بالحكم، أو قل وصول الحكم صار موقوفاً على العلم بالحكم - والوصول هنا هو نفس العلم - فيلزم الدور في مرحلة الوصول، فإنَّ وصول الحكم يصير بالعلم به، والعلم به يصير موقوفاً على العلم، فيلزم الدور في مرحلة العلم ووصول الحكم.

وعليه فالمناسب للعلامة التعليل بما ذكرنا.