45/05/20
الموضوع: قيام الامارة مقام القطع - اقسام القطع - حجية القطع.
قيام الامارة مقام القطع:
عرفنا فيما تقدم أنَّ القطع على ثلاثة أقسام، قطع طريقي محض، وقطع موضوعي صفتي، وقطع موضوعي طريقي، وقد وقع الكلام في أنّه هل تقوم الأمارة مقام القطع بأقسامه الثلاثة أو أنها تقوم مقام بعضها وما هو ذلك البعض؟
المعروف أنها تقوم مقام الأول، ولا تقوم ومقام الثاني جزماً، واختلف في الثالث.
أما أنها تقوم مقام الاول:- فلأنَّ وظيفة القطع الأول هو التنجيز والتعذير، والامارة هي حجة بمعنى أنها تنجّز ما دلت عليه وتكون معذّرة حين الخطأ، فقيامها مقام القطع الطريقي المحض هو من الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى بيان.
وأما عدم قيامها مقام الثاني:- فينبغي أن يكون واضحاً أيضاً، لأنَّ القطع قد أخذ بما هو صفة نفسانية لا بما هو منجّز فكيف تقوم الامارة الموجبة للظن والتي هي فقط وفقط منجزّة ومعذّرة مقام القطع الموضوعي الصفتي!!، بل ينبغي أن يكون عدم قيامها مقامه من الاشياء الواضحة.
وأما القسم الثالث من القطع:- فقد وقع الكلام فيه وأنها تقوم مقامه أو لا؟ وقد ذهب العلمان الشيخ الاعظم(قده) والشيخ النائيني(قده) إلى قيامها مقامه، وخالف في ذلك الشيخ الخراساني(قده).
بيد أنه توجد مشكلة في المقام واجهت جميع الاصوليين:- حيث اتفقت كلمتهم على قيام الامارة مقام القطع الطريقي الصرف، ولكن المشكلة التي واجهتهم هي أنَّ قيام الامارة مقام القطع الطريقي الصرف خلف قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فإنه لو خصّصت هذه القاعدة فسوف تصير النتيجة هي أنه يقبح العقاب من دون علم إلا عند قيام الامارة، ومن الواضح أنَّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان هي قاعدة عقلية والاحكام العقلية لا تقبل التخصيص؟!
ولأجل حل هذه المشكلة برزت نظرية جعل العلمية:- فقيل إنَّ المجعول في باب الامارات هو العلمية - أي القطع - وهو ما ذهب إليه العلمان النائيني والسيد الخوئي(قده)، خلافاً للشيخ الخراساني(قده) حيث ذهب إلى أنَّ المجعول في باب الامارة هو المنجّزية وبذلك يكون الاشكال عليه مستحكماً، وأما بناءً على مسلك جعل العلمية فلا يرد هذا الاشكال؛ إذ المجعول في باب الامارة هو العلمية ومعه تصير الامارة علماً ويصير دليل حجيتها حاكماً ورافعاً لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان؛ إذ عند قيام الامارة سوف يتبدل اللا بيان إلى البيان وحينئذٍ يرتفع موضوع القاعدة، فدليل حجية الامارة يكون حاكماً على قاعدة قبح العقاب بلا بيان حيث يوسع موضوعها ويجعل البيان وسيعاً ويشمل المجعول في باب الامارة وهو العلمية الاعتبارية، فالعلمية الاعتبارية تكفي حينئذٍ وإن لم تكن علمية حقيقةً، وبذلك يرتفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
ويرد عليه:- هل المقصود من جعل الأمارة علماً أنها علم بقطع النظر عن المشكلة المذكورة أو لا؟، يعني مثلاً الدليل المهم لحجية خبر الثقة هو السيرة الممضاة، فهل هذه السيرة تجعل الخبر علماً بقطع النظر عن هذه المشكلة أو أنها تجعله علماً لأجل حلّ هذه المشكلة؟ وكلاهما قابل المناقشة:-
أما جعلها علماً بقطع النظر عن هذه المشكلة فيردّه:- إنَّ المستند المهم لحجية خبر الثقة - والذي هو الامارة المهمة من بين الامارات - هو إما السيرة العقلائية أو الآيات والروايات، ولو رجعنا إلى سيرتنا نجد أننا لم نأخذ بخبر الثقة من باب كونه علماً واعتبرناه علماً فإنَّ هذا خلاف الواقع وإنما أخذنا به بقطع النظر عن هذه القضية، وعليه فهذه السيرة لا دلالة فيها على جعل الخبر علماً واعتباره علماً.
وأما إذا رجعنا إلى الآيات والروايات كآية النبأ التي تقول:- ﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ أو مثل قوله عليه السلام:- (العمري وبانه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما واطعهما فإنهما الثقتان المأمونان)[1] فلا نجد فيها أثراً لاعتبار الخبر علماً، أما الآية الكريمة فهي قد دلت بالمفهوم على أنه إذا جاءك الثقة فخذ بخبره ولم تقل بمنطوقها ولا بمفهوما إنَّ هذا الأخذ هو من باب أننا جعلناه علماً، وأما الحديث فغاية ما يدل عليه هو لزوم الأخذ بخبر الثقة أما أننا نأخذ به من باب جعل العلمية فهذا لم يدل عليه.
وعليه فإن كان المقصود من جعل العلمية هو جعلها بقطع النظر عن هذه المشكلة فنقول لو رجعنا إلى الآيات والروايات والسيرة لا نجدها تعتبر الخبر علماً في المرحلة الأولى ثم تعتبر له الحجية، فاعتبار العلمية هنا خلاف الوجدان.