الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/05/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الرد على المثال الأول للقطع الصفتي، امثلة القطع الصفتي الاخرى والرد عليها - هل يوجد قطع اخذ في الموضوع بنحو الصفتية؟ - اقسام القطع - حجية القطع.

 

ويرده:- إنَّ هذا وجيه فيما إذا بقينا نحن وهذه الروايات من دون قرينة مخالفة على ذلك، ولكن توجد رواية تدل على أنَّ العلم في باب الشهادة مأخوذ بنحو الطريقية دون الصفتية، وعليه فسوف توضح لنا هذه الرواية ما هو المقصود من الروايات الثلاث المتقدمة، وهي ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام حيث سئل:- ( إذا رأيتُ شيئاً في يدي رجل يجوز لي أن اشهد أنه له؟ قال:- نعم، قال الرجل:- أشهد أنه في يده ولا أشهد انه له فلعله لغيره، فقال أبو عبد الله عليه السلام:- أفيحل الشراء منه؟ قال:- نعم، فقال ابو عبد الله عليه السلام:- فلعله لغيره فمن اين جاز لك ان تشتريه ... ثم قال ابو عبد الله عليه السلام:- لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق )[1] ، يعني لو لم يجز الاعتماد على اليد فلا يسطيع أحد أن يشتري من شخص أو يبيع له، لأنه لو باعه مثلاً كيف يأخذ منه الثمن والحال لعل الثمن سرقة وليس ملكاً للمشتري، وعليه فبناءً على ما ذكرته هذه الرواية ينبغي تنفسير العلم الوارد الروايات الثلاث المتقدمة بالعلم الموضوعي الطريقي دون الصفتي، وعليه فهذا المثال للعلم الموضوعي الصفتي ليس بصحيح وإنما هو علم موضوعي طريقي.

المثال الثاني:- الركعتان الاوليان في الصلاة، فإنَّ شرط صحتهما هو العلم بالاتيان بهما، وظاهر العلم المأخوذ في صحتهما هو العلم بما هو صفة وليس بما هو طريق.

وفي الجواب نقول:- توجد رواية تدل على أنَّ العلم المأخوذ في الركعتين الاوليين هو مأخوذ وملحوظ بنحو القطع الموضوعي الطريقي دون الصفتي، وهي معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:- (إذا سهوت في الاولتين فاعدهما حتى تثبتهما)[2] ، فهي قالت:- ( فاعدهما حتى تثبتهما ) وظاهر تعبير ( حتى تثبتهما ) يعني حتى يتحقق عندك احراز أنك قد أتيت بهما وهذا معناه أنَّ القطع مأخوذ في الركعتين الاوليين بما هو طريق لاحراز تحققهما لا بما هو صفة نفسانية.

المثال الثالث:- الجهر والاخفات والقصر والاتمام، حيث يقال: إنَّ العالم بالحكم - أي بوجوب القصر للمسافر مثلاً - إذا خالفه المكلف وأتم الصلاة فسوف يحكم ببطلانها وهذا يفهم من أنَّ العلم قد أخذ في الموضوع بما هو صفة نفسانية.

والجواب:- إنَّ العلم هنا - وهو وجوب القصر في السفر - هو مأخوذ بنحو الطريقية لا بنحو الصفتية، بدليل أنَّ المكلف العامي لو اطلع من خلال رأي المجتهد على وجوب القصر في السفر كفى ذلك في ثبوت الحكم في حقه والحال أنَّ قول المجتهد لا يورث العلم بما هو صفة نفسانية وإنما يورث العلم بما هو طريق إلى الواقع كما هو واضح.

المثال الرابع:- قاعدة الطهارة - ( كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر - نجس -) - فقد أخذ العلم بالقذارة في موضوع الحكم بعدم الطهارة، فإذا علم المكلف بالقذارة فلا يحكم حينئذٍ بالطهارة، وإذا لم يعلم بالقذارة فحينئذٍ يحكم بالطهارة، وحينئذ نقول إنَّ ظاهر العلم هنا - يعني العلم بالقذارة - هو العلم المأخوذ بنحو الصفتية لا الطريقية.

والجواب:- إنَّ العلم بالقذارة هنا مأخوذ بنحو الطريقية وليس بنحو الصفتية، والشاهد على ذلك هو أنَّ الثقة لو أخبر بأنَّ هذا الشيء نجس كفى ذلك، فشهادته هنا قامت مقام العلم بالقذارة وهذا معناه أنَّ العلم بالقذارة لم يؤخذ بنحو الصفتية وإنما أخذ بنحو الطريقية وإلا لم تقم شهادة الثقة بالقذارة مقامه.

المثال الخامس:- ما ذكره الشيخ الاعظم(قده) في الرسائل[3] ، وهو ما لو نذر شخص التصدق في كل يوم بدرهم فيما إذا علم بحياة ولده، فهنا العلم مأخوذ بنحو الصفة النفسانية، يعني إذا كانت نفسي مطمئنة بدرجة مائة بالمائة بحياة ولدي فسوف اتصدق على الفقير بكذا وهذا عبارة عن العلم بما هو صفة نفسانية.

وفي مقام التعليق نقول:-

أولاً:- صحيح أنَّ العلم والقطع قد أخذه الشخص هنا ولكنه أخذه بما طريق لاحراز الحياة لا بما هو صفة نفسانية، فالمهم له هو احراز حياة ولده فحينئذٍ يتصدق، فالعلم هنا أخذ بنحو الاحراز لا بنحو الصفتية.

ثانياً:- إنَّ هذا مثال فرضي ونحن كلامنا أنه شرعاً هل يوجد مثال واقعي للقطع الموضوعي الذي أخذ في الموضوع بما هو صفة أو لا يوجد فإنَّ هذا لم يثبته الشيخ الاعظم(قده).

وعليه فمما ذكرنا يتضح أنَّ تحصيل مثال شرعي للقطع الموضوعي الصفتي مشكل والبحث من ناحيته هو بحث علمي فقط لا أكثر.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص292، أبواب كيفية الحكم، باب25، ح2، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج8، ص191، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب1، ح15، ط آل البيت.
[3] فرائد الأصول، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج1، ص34.