الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - اقسام القطع - حجية القطع.

اقسام القطع:-

ينقسم القطع إلى قسمين، قطع موضوعي، قطع طريقي.

والفارق بينهما واضح، فإنَّ القطع الموضوعي هو اليقين - القطع - الذي يؤخذ في موضوع الحكم، كما إذا فرض أنَّ الدليل قال:- ( إذا قطعت بكون الشيء نجساً او متنجساً فاحكم عليه بالنجاسة )، فالنجاسة لا تثبت إلا إذا قطعت بثبوتها، أو إذا قطعت بكون الشيء منيّاً أو بولاً أو ما شكل ذلك فهو نجس حينئذٍ، فهنا صار القطع موضوعياً، يعني أنه أخذ في موضوع الحكم بالنجاسة، أي لا يحكم بالنجاسة إلا إذا حصل قطع بكون الشيء منيّاً أو دماً أو بولاً.

وأما القطع الطريقي فليس مأخوذاً في موضوع الحكم وإنما هو مجرد طريق، فمثلاً إذا قطعت بكون الشيء منيّاً أو بولاً وكان في الواقع هو بول أو مني فهو نجس وإن لم اقطع بكونه بولاً أو منياً.

فالفارق بين القطع الموضوعي والطريقي أنه في القطع الموضوعي يفترض أن القطع جزء من موضوع الحكم ومقوّمٌ له، فإذا كان الشيء دماً وقطعت بأنه دم فهو نجس فهنا صار القطع جزء من الموضوع وهذا قطعٌ موضوعي، وأما إذا فرض أنه قال ( إذا كان الشيء دما - سواء قطعت أم لم اقطع - فهو نجس ) فلو كان في الواقع هو دم وأنا لم اقطع بذلك فهو نجس حينئذٍ.

وكل ما تقدم من ابحاثٍ كان ناظراً إلى القطع الطريقي.

ونريد التعرض الآن إلى القطع الموضوعي، كما إذا قيل:- ( إذا كان الشيء دماً وقطعت بكونه دماً فهو نجس )، فالقطع جزء من الموضوع، وفي هذا المجال نقول:-

أما الشيخ الأعظم(قده):- فقد قسّم الشيخ الأعظم(قده) القطع الموضوعي إلى قسمين قطعٌ موضوعي صفتي وقطعٌ موضوعي طريقي، حيث قال:- إذا اخذ القطع في موضوع الحكم فتارةً يؤخذ فيه بما هو صفة نفسانية وأخرى يؤخذ فيه بما هو طريق، واصطلح على الاول بالقطع الموضوعي الصفتي وعلى الثاني بالقطع الموضوعي الطريقي.

وأما الشيخ الخراساني(قده):- فقد قسّم كل واحدٍ من القسمين اللذين ذكرهما الشيخ الاعظم(قده) إلى قسمين آخرين، فقسّم كل واحدٍ منهما إلى تمام الموضوع وإلى جزء الموضوع حيث قال:- إنَّ القطع الصفتي تارةً يكون هو تمام الموضوع وأخرى يكون هو جزء الموضوع، والجزء الثاني للموضوع هو الواقع الذي هو متعلّق القطع فهذه الصفة النفسانية - أي القطع - زائداً الواقع هي موضوع للحكم كالناجسة مثلاً، فالنجاسة تثبت شرعاً إذا فرض أنه كان هناك قطعٌ بنحو الصفة النفسانية وكان هذا الشيء دماً أو بولاً في الواقع فحينئذٍ يترتب الحكم، وهكذا قال بالنسبة إلى القطع الطريقي، فصارت الاقسام على رأيه أربعة.

وقد يشكل على الشيخ الاعظم(قده):- بأنك قلت إنَّ القطع تارةً يؤخذ في الموضوع بما هو صفة نفسانية وأخرى يؤخذ فيه بما هو طريق، وسميت الاول بالموضوعي الصفتي والآخر بالموضوعي الطريقي، ونحن نقول:- إذا لاحظنا القطع بما هو صفة نفسانية فهو لا ينفك عن كونه طريقاً إلى الواقع، يعني أنَّ الطريقية إلى الواقع هي لازم لا ينفك عن صفة القطع، فمتى ما حصلت صفة القطع في النفس وكنت قاطعاً فحينئذٍ لازمها الذي لا ينفك عنها هو أنها طريق إلى الواقع، فإذا قطعت بأنَّ فلاناً عادلاً كصفةٍ نفسانيةٍ في نفسي فهذه الصفة النفسانية هي طريق إلى الواقع، يعني أني أرى أنَّ عدالة زيد هي ثابتة في الواقع، فالصفة النفسانية لازمها الذي لا ينفك عنها أنها تكشف الواقع وطريق إليه لا أنه يمكن التفكيك بين الصفتية والطريقية فإنَّ صفة القطع متى ما تحققت كان لازمها الذي لا ينفك عنها هو كونها طريق إلى الواقع الذي هو متعلّق القطع، فمن قطع بعدالة زيدٍ فهذا القطع يرى به الشخص الواقع، فهو يرى أنَّ زيداً عادلاً، فهو طريق إلى الواقع، وعليه فلا يمكن أن نلاحظ القطع مرةً بما هو صفة فيصير قطع موضوعياً صفتياً ومرة اخرى نلاحظه كطريق فيصير قطعاً موضوعياً طريقياً.

ولعله لأجل هذه المشكلة حاول الشيخ الخراساني(قده) اضافة مصطلحين ربما أراد من خلالهما التغلب على هذه المشكلة التي تواجه الشيخ الانصاري(قده)، المصطلح الأول أنه قال:- إنَّ القطع - العلم - هو نورٌ في نفسه ونورٌ لغيره، فإذا لوحظ كونه نوراً في نفسه كان القطع صفتياً - أي مأخوذاً في الموضوع بنحو الصفتية - وإذا لوحظ بما هو نور لغيره كان هذا القطع صفتي ولكن لوحظ بما هو طريق إلى الواقع، والمصطلح الثاني أنه قال:- إنَّ العلم لما كان من الصفات الحقيقية ذات الاضافة فإن لوحظ بما هو بقطع النظر عن اضافته إلى المتعلَّق كان صفتياً وإن لوحظ بما هو مرآة إلى متعلّقه كان طريقياً.

وهذا المشكلة لم يتعرض إليها الشيخ الانصاري(قده) كما لم يتعرض إليها الشيخ الخراساني(قده) وإنما نحن نتعرض إليها، ولكن يظهر من الشيخ الخراساني(قده) أنه كان يشعر بها ولذلك اضاف هاتين الاصافتين، وما ذكره هو ترميم لما أفاده الشيخ الاعظم(قده).