الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: على ماذا تكون العقوبة؟ -كلام في تطبيق قاعدة الملازمة - مبحث التجري - حجية القطع.

 

ويرده: أولاً:- إنه ذكر أنَّ العقاب يكون على القصد لا على الفعل المتجرى به - لأنَّ الفعل المتجرى به ليس بقبيح على رأيه - ثم عدل عن ذلك وقال بما أنّ القصد أمر غير اخنياري فلا يمكن أن يكون العقاب مترتباً عليه وإنما يكون مترتباً على البُعد عن المولى الناشئ من التجري والعصيان، فبُعد المكلف صار سبباً لذلك، ونحن نقول:- عليه أن يقول من البداية أنَّ العقاب مترتب على البُعد عن المولى، أما أن يقول في البداية أنه مترتب على القصد ثم يعدل عن لك ويقول هو مترتب على البُعد عن المولى فهذا أمرٌ ليس فنياً.

ثانياً:- إنه قال إنَّ القصد أمر غير اختياري فلا يصح أن تكون العقوبة مترتبة عليه، ونحن نقول:- إنَّ القصد أمرٌ اختياري، فإنَّ الانسان احياناً قد يقصد السفر إلى بلاد معينة للتنزه فيحجز تذاكر سفره إلى تلك البلاد ويستعد لذلك ولكن قد يتبدل قصده بعد ذلك إلى قصد آخر كالذهاب إلى اداء العمرة مثلاً، فهنا التحول من قصدٍ إلى قصد آخر هو أمرٌ اختياري لا كما قال، وهذه قضية وجدانية فإنَّ القصد بيد المكلف واختياره.

ثالثاً:- إنه ذكر أنَّ العقاب يكون على البُعد عن المولى الذي سببه خبث الباطن وسوء السريرة، وهنا نقول:- إذا كان سبب هذا البُعد هو خبث الباطن فحيث إنَّ خبث الباطن أمرٌ ذاتي فحينئذٍ يلزم أن تكون العقوبة ليست بالاستحقاق لها بل لخبث باطنه، وهذا مخالفٌ لما جاء به الكتاب الكريم فإنه يرفض هذه الفكرة ويهاجمها، بل ذكر أنَّ العقوبة والمثوبة تكون على العمل، من قبيل قوله تعالى:- ﴿ ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون ﴾[1] ، وقوله تعالى:- ﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ﴾[2] ، أي بسبب كسبهم، فهاتان الآيتان - وغيرهما - تدلان على كون العقوبة بالاستحقاق.

رابعاً:- إنَّ لازم ما ذكره من فكرة خبث الباطن وسوء السريرة أن يكون الانسان مجبراً على افعاله وليس مختاراً، فالعصاة والمجرمين مجبورون على افعالهم، وهذا واضح الوهن والبطلان.

والخلاصة:- المناسب أن يكون العقاب للمتجري على القصد، والقصد والارادة أمران اختياريان.


[1] السورة جاثیه، الأية 14.
[2] السورة فاطر، الأية 45.