الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كلام السيد الخميني(قده) في عدم استحقاق المتجري العقوبة -كلام في تطبيق قاعدة الملازمة - مبحث التجري - حجية القطع.

وذكر السيد الخميني(قده)[1]
أنَّ المتجري لا يستحق العقوبة حيث قال:- لو كان المتجري يستحق العقوبة فهذا الاستحقاق ليس لملاكٍ يختص به فقط بل لملاكٍ أوسع يشمل العاصي والمتجري معاً، والملاك هو ممخالفة العلم، فنفس مخالفة المكلف لعلمه من دون فرقٍ بين أن يكون علمه مصيباً أو مخطئاً هو الموجب لاستحقاقه العقوبة، وإذا قبلنا بهذا فسوف يلزم منه ثبوت عقوبتين في حق العاصي احداهما لمخالفة العلم - لأنه يعلم بأنَّ هذا الشيء خمر ومخالفة العلم موجبة للعقوبة في حق المتجري وفي حق العاصي معاً - وثانيهما من جهة ارتكاب المعصية الواقعية، وحيث إنَّ ثبوت عقابين في حق العاصي غير محتمل فيثبت بذلك أنَّ المتجري لا يستحق العقوبة، يعني أنَّ الملاك للعقوبة ينحصر بالثاني - وهو العاصي فقط - أما الملاك الأوسع الذي يشمل العاصي والمتجري فليس بموجود، وبذلك يثبت أنَّ المتجري لا يوجد في حقه عقوبة.

وفي مقام الجواب نقول:- إنه لا يوجد ملاكان لاستحقاق العقوبة - احدهما مخالفة العلم الثابت في حق المتجري والعاصي وثانيهما ارتكاب المعصية الواقعية - وإنما الملاك واحد هو مخالفة العلم الأعم من كونه مطابقاً للواقع أو مخالفاً له.

فنحن إذا اردنا أن نقول بأنَّ المتجري يستحق العقوبة فنقول يوجد ملاك واحد وهو مخالفة العلم، فخطاب ( أيها العالم بكون الشيء خمراً اترك الخمر ولا تخالف علمك ) هو عام يشمل العالم الذي يكون علمه مصيباً ويشمل أيضاً العالم الذي يكون علمه مخطئاً، وحينئذٍ إذا خالف العاصي الخطاب فسوف يستحق العقوبة، وإذا خالف المتجري الخطاب فهو يستحق العقوبة أيضاً، فالملاك واحد وهو مخالفة العلم بكون الشيء معصية، فنحن لا نحتاج إلى الملاك الذي اضافه السيد الخميني(قده) - وهو ارتكاب المعصية الواقعية - وإنما يكفي الملاك الأول فقط - وهو مخالفة العلم بكون الشيء حراماً - فإنَّ هذا الملاك وحده يعم العاصي والمتجري معاً ويثبت بذلك عقاب واحد على العاصي وعقاب واحد على المتجري.

على ماذا تكون العقوبة؟

بعد أن اتضح أنَّ المتجري يستحق العقوبة نسأل نقول:- هل العقوبة تثبت على ارتكاب الفعل الخارجي - كشرب ما اعتقد بكونه خمراً مثلاً وهو في الواقع ماء - أو على قصد المخالفة وقصد ارتكاب الحرام بنظره؟

قال الشيخ الخراساني(قده)[2]
:- إنَّ العقاب ليس على الفعل وإنما يكون على القصد، أي قصد ارتكاب الحرام[3] .

فإن قلت:- إنَّ القصد أمر غير اختياري فكيف يثبت عليه العقاب؟

قلنا:- إنَّ العقاب لازمٌ قهري للبعد عن المولى الحاصل بسبب التجرّي، والتجري سببه خبث الباطن وسوء السريرة الذي هو أمرٌ ذاتي، وإذا كان أمراً ذاتياً -كزوجية الأربعة - فلا تقل لماذا اختار العاصي والمتجري المعصية والتجري ولم يخترها المتقي، لأنَّ النتيجة انتهت إلى أمرٍ ذاتي.

فإن قلت:- إذا كان العصيان واستحقاق العقوبة لأجل القصد الذي هو أمرٌ ذاتي فلماذا ارسال الرسل والانبياء فإنَّه لا ينفع فإنَّ الذي ذاته خبيثة لا تنفعه الرسل والذي ذاته طيبة لا يحتاج إلى رسول؟

قلنا:- ذلك لأجل أن لا يكون للناس حجة على الله تعالى، بل تكون له الحجة عليهم، ولأجل أن ينتفع من طابت نفسه من ذلك.


[1] تهذيب الاصول، السيد الخميني، ج3، ص90.
[2] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص261.
[3] باعتبار أنَّه يبني على أنَّ الفعل المتجرى به ليس قبيحاً حتى يثبت العقاب عليه.