الموضوع: النقطة الرابعة ( هل المتجري يستحق العقوبة أو لا ) -كلام في تطبيق قاعدة الملازمة - مبحث التجري - حجية القطع.
النقطة الرابعة:- هل المتجري يستحق العقوبة أو لا؟
إلى العدم:- حيث قال إنَّ المتجري لا يستحق العقوبة، لأنّ التجري يكشف عن سوء السريرة، وسوء السريرة لا يوجب العقوبة. وذهب الشيخ الخراساني(قده) إلى أستحقاقه للعقوبة:- ودليله على ذلك الوجدان؛ إذ لو تناول المكلف ما يقطع بكونه خمراً ثم تبين أنه ماء فإنَّ العقلاء يقبّحون فعله ويرون أنه يستحق العقوبة، قال:-
( لشهادة الوجدان بصحة مؤاخذته وذمّه على تجريه )[2]
.
وقد يستدل لاستحقاق المتجري العقوبة ببعض الوجوه الاخرى التالية:- الوجه الأول:- ما نقله الشيخ النائيني(قده) عن استاذه المجدد الشيرازي(قده)، وهو إنَّ المناط والملاك في استحقاق العقوبة هو مخالفة العلم بالتكليف سواء كان علمه مصيباً أو ليس مصيباً ولا يلزم أن يكون علمه مصيباً، والدليل على ذلك هو أنه لو كان المدار في استحاق العقوبة على العلم المصيب للزم عدم وجوب امتثال أي تكليف لأنَّ المكلف العالم بالتكليف لا يحرز أنَّ علمه مصيب للواقع.
وناقشه الشيخ النائيني(قده)[3]
وقال:- نسلّم أنَّ المناط في استحقاق العقوبة هو مخالفة العلم ولكن نقول إنه في مورد التجري لا يوجد علم وإنما يوجد جهل مركب؛ إذ مادام لا توجد مطابقة للواقع فلا يوجد علم. أما ما ذكره الشيخ النائيني(قده) فيرد عليه:- أنه ليس المقصود من العلم في باب التجري هو العلم المنطقي الذي يشترط فيه االمطابقة للواقع، وإنما المقصود منه الادراك بنحو الجزم الأعم من كونه مطابقاً للواقع أو غير مطابق له، فالكلام فيما لو جزم المكلف بأنَّ هذا الشيء خمر فتناوله ثم تبين أنه ماء فهنا هل يستحق العقوبة أو لا، فكلامنا في الادراك الجازم بغض النظر عن كونه يصطلح عليه في علم المنطق علماً أو لا.
وأما ما ذكره المجدد الشيرازي(قده) فيرد عليه:- أولاً:- إنَّ كل شخص لو حصل له علمٌ بشيءٍ فمادام هو يعلم به فهو يرى أنَّ علمه مصيب ومطابق للواقع وهذه قضية غير قابلة النقاش ومن البديهيات، فالعلم بنظر القاطع دائماً هو مطابق للواقع، وعليه فلا يلزم محذور لو كان المدار على العلم المطابق للواقع لأنَّ المتجري يرى بنظره أنَّ علمه مطابق للواقع، وكل عالمٍ يرى أنه علمه مطابق للواقع وإلا لم يكن عالماً.
[3] أجود التقريرات، السيد الخوئي، ج3، 53.