الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - وجوه الجمع بين الروايات المتعارضة في المقام -كلام في تطبيق قاعدة الملازمة - مبحث التجري - حجية القطع.

وفي مقام التعليق على الوجوه الثلاثة المتقدمة نقول:- إنَّ الجمع في جميع هذه الوجوه الثلاثة تبرعي؛ إذ ليس عليها شاهد من نفس الأدلة، وهي مثل ما لو أتاك دليل يقول ( اكرم العلماء ) ودليل آخر يقول ( لا تكرم العلماء ) فتحمل الأول على علماء الفقه وتحمل الثاني على علماء النحو - أو الفيزياء أو الكيمياء - ولكن هذا حمل تبرعي لأنه لا يوجد عليه شاهد في نفس الدليلين، فلا يكون حجة، وفي مقامنا انحاء الجمع الثلاثة التي ذكرها الأعلام لا يوجد عليها شاهد من نفس الرروايات فيصير تبرعية، فلا تكون حجة.

أما الجمع الأول - حيث حمل الشيخ الأعظم(قده) الطائفة الأولى التي دلت على العقوبة على من ارتكب المقدمات ولم يرتدع حتى عجز عن ايجاد ذي المقدمة وحمل الطائفة الثانية تنفي العقوبة على من ارتدع بنفسه لا بسبب العجز - فلا شاهد عليه من نفس الروايات وإنما هو جمع تبرعي، إنما الجمع الذي يكون حجة هو الجمع العرفي، والجمع العرفي إنما يكون عرفياً فيما إذا كان عليه شاهد من نفس الدليل، أما أن نأتي من الخارج بوجهٍ جمعي فهذا يكون جمعاً تبرعياً وهو ليس بحجة.

وهكذا الجمع الثاني - حيث حمل الشيخ الاعظم(قده) ما دل على العقوبة على من قصد الحرام وارتكب بعض مقدماته وحمل ما دل نفي العقوبة على من عزم على ارتكاب الحرام ولم يرتكب شيئاً من مقدماته - هو تبرعي أيضاً؛ إذ لا شاهد عليه من نفس الروايات.

وأما ما ذكره السيد الشهيد(قده) فيمكن أن يورد عليه ذلك أيضاً:- فإنه حمل الطائفة الثانية التي دلت على نفي العقوبة على نفي الفعلية وقال لا فعلية للعقوبة، وحمل الطائفة على اثبات الاستحقاق وأنَّ المتجري يستحق العقوبة. ونحن نقول:- إنَّ بعض أفراد الطائفة الأولى يدل على ثبوت العقاب بنحوٍ فعلي لا كما قال، كالرواية الاولى حيث قالت:- ( نما خلّد أهل النار في النار لأنَّ نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيهاا لعصوا الله أبداً ... )، يعني توجد في حقهم عقوبة فعلية، وهكذا الحال في حديث زيد بن علي عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:- ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما على غير سنَّة القاتل والمقتول في النار، فقيل:- يا رسول الله القاتل فما بال المقتول؟ قال:- لأنه أراد قتلاً )، فهو دل على ثوبت فعلية العقاب حيث قال إنَّ كليهما في النار، وعليه فلا يأتي ما أفاده السيد الشهيد(قده).

والأجدر أن يقال في مقام الجمع:- إنَّ المورد من قبيل العام والخاص، فنجري عملية التخصيص حينئذٍ، والطائفة الثانية هي بمثابة العام فإنها دلت على العفو عن قصد السيئة وعدم فعلهاحيث قالت:- ( إنَّ الله تعالى قال لآدم:- يا آدم إني جعلت لذريتك من همَّ بسيةٍ لم تكتب له، فإن عملها كتبت عليه سيئة )، فدلت على أنَّ المكلف إذا كان يوجد عنده تجري بالقصد فقط ولم يعمل فلا عقوبة عليه، وإنما تسجل العقوبة إذا نوى وعمل معاً، وهذا بمثابة العام والحكم الذي نخرج به منه هو أنَّ المتجري لا عقوبة عليه لأجل هذه الرواية وأمثالها، فإذا جاءت رواية اخرى معارضة لهذه الطائفة فسوف تكون مخصصة لها في موارد خاصة ونخرج عن هذا العموم ف خصوص تلك الموارد فقط ويكون المورد من العام والخاص، من قبيل الرواية الأولى حيث قالت:- ( إنما خُلّد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خُلّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً )، فيستثنى هذا المورد من العفو - وهو من نوى السيئة إلى أن مات ولم يرتدع عن نيّته فهذا سوف يعاقب - ويخرج بالتخصيص من ذلك العموم، لأنَّ نيّة هذا المكلف كانت مستمرة ودائمة.

كما يخرج المورد الثاني أيضاً من العموم، وهو من همَّ بالقتل، حيث ورد في الحديث الشريف:- ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)، وعليه فنقول إنَّ مورد من همَّ بالقتل ولم يرتكب بعض المقدمات يخرج من هذا العموم بالاستثناء.

كما يخرج المورد الثالث من العموم أيضاً بالخصيص، حيث ورد في الرواية:- ( الراضي بعمل قومٍ كالداخل فيه معهم )، فمن رضى بالعمل الجماعي المنحرف فبمجرد رضاه يكون منحرفاً مثلهم ويعاقب على ذلك، وهذا المورد خرج بالتخصيص أيضاً.

وهكذا الحال في الموارد الأخرى إن وجدت.