45/04/28
الموضوع: - الدليل الثالث لحرمة الفعل المتجرى به -كلام في تطبيق قاعدة الملازمة - مبحث التجري - حجية القطع.
الدليل الثالث لاثبات حرمة الفعل المتجرى به:- هو النصوص الخاصة.
وهي تارة تكون من الكتاب الكريم، وأخرى من السنَّة الشريفة:-
أما الكتاب الكريم:- فنذكر ثلاث آيات:-
الأولى:- قوله تعالى:- ﴿ لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ﴾[1] ، وموضع الاستشهاد هو قوله تعالى:- ﴿أو تخفوه يحاسبكم به الله﴾، فإنَّ من أحد الأمور التي تخفى في القلب هي قصد شرب ما يقطع بكونه خمراً، يعني أنَّ المكلف يقصد المخالفة، والقصد أمرٌ قلبي فيحاسبه عليه الله.
الثاني:- قوله تعالى:- ﴿ إنَّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ﴾[2] ، وهي دلت على ثبوت العذاب لمن يحب اشاعة الفاحشة ومنها شرب الخمر، لأنَّ المكلف يعتقد ويقطع بأنَّ هذا السائل خمر، وهو يحب أن يشرب ما يعتقد بكونه خمراً فيكون من محبي اشاعة الفاحشة ومصداقاً لذلك، والآية الكريمة توعدتهم بعذاب أليم، فتكون دالة على المطلوب.
أو نقول بإلغاء الخصوصية في المورد، فإنه إذا كان قصد الاشاعة والذي هو أمرٌ قلبي حراماً فحيث لا خصوصية له مع قصد التجري فحينئذٍ يتعدى إلى التجري فيكون حراماً أيضاً.
فقصد التجري إما أن نقول هو مصداق لاشاعة الفاحشة، أو أنه لا فرق بينه وبين قصد اشاعة الفاحشة.
الثالثة:- قوله تعالى:- ﴿ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الارض ولا فساداً ﴾[3] ، فالذي يريد الفساد تشمله هذه الآية الكريمة وأنه ليس له الجنة، لأنَّ الجنة خاصة بمن لا يريد العلو في الارض وبمن لا يريد الفساد، والمتجري يريد الفساد لأنه يعتقد أنَّ هذا السائل خمر، فبتناوله له يكون مريداً الفساد، فيكون مشمولاً للآية الكريمة، فيكون فعله محرّماً.
وأما الروايات:-
الرواية الأولى:- ما جاء عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إنما خلّد اهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله ابداً وإنما خلّد الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الددنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله ابدا فبالنيات خلّد هؤلاء وهؤلاء ثم تلا عليه السلام قوله تعالى " قل كل يعمل على شاكلته " قال:- على نتيه )[4] .
ووجه الدلالة:- إنَّ الآية الكريمة دلت على أنَّ المدار في الحساب على النية، والمفروض أنَّ المتجري نوى أن يشرب ما يقطع بكونه خمراً - لأنه يعتقد بأنَّ هذا السائل خمر - فيكون مشمولاً للآية الكريمة.
الرواية الثانية:- وفي حديث زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام قال:- ( قالرسول اله صلى الله عليه وآله:- إذا التقى المسلمان بسيفها على غير سنَّة القاتل والمقتول في النار، فقيل يا رسول الله:- القاتل، فما بال المقتول؟ قال:- لأنه أراد قتلاً)[5]
والشاهد هو قوله عليه السلام:- ( أراد قتله )، فيدل على أنَّ ارادة الحرام موجبة للنار، والمتجري أراد الحرام فسوف يكون جزاءه النار بمقتضى هذه الرواية الشريفة.
الرواية الثالث:- ما جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:- ( الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم وعلى كل داخل في باطل اثمان إثم العمل به وإثم الرضا به )[6] .
وهي تدل على أنَّ الراضي بارتكاب الحرام هو كالمرتكب له فيكون مأثوماً، والمتجري راضٍ بالحرام وبارتكابه ولذلك هو يتركبه بتخيل أنه خمر فيكون مشمولاً لههذ الرواية الشريفة.
وفي مقابل هذا توجد معارضة تدل على العفو وعدم العقاب على النية وأن المتجري ليس بمعاقب:-
منها:- ما روي عن احدهما عليه السلام:- ( انَّ الله تعالى قال لآدم:- يا آدم جعلت لك أن من همّ من ذريتك بسيئة لم تكتبت عليه فإن عملها كتبت عليه سيئة ومن همَّ منهم بحسنة فإن لم يعملها كتبت له حسنة وإن هو عملها كتبت له عشراً )[7] .
وفي مقام الجمع بين النصوص قد تذكر الوجوه الثلاثة التالية:-
الوجه الاول:- ما أشار إليه الشيخ الاعظم(قده)[8] من امكان حمل النصوص الدالة على العفو على من ارتدع عن قصده بنفسه، ونحمل النصوص الدالة على العقوبة على الذي لم يرتدع وبقي على قصده إلى أنه عجز عن الفعل من دون اختياره.
الوجه الثاني:- ما ذكره الشيخ الاعظم(قده)[9] من أنه يمكن حمل الروايات الدالة على العقو على من اكتفى بالقصد ولم يعمل أزيد منه، وحمل الروايات الدالة على العقوبة على من قصد وارتكب بعض مقدمات الحرام دون الحرام.
الوجه الثالث:- ما ذكره السيد الشهيد(قده)[10] من أننا نحمل الروايات الدالة على رفع العقوبة على نفي فعلية العقوبة تفضّلاً من المولى عزّ وجل، ونفي العقوبة تفضلاً لا يدل على أنَّ المكلف لا يستحق العقوبة، بل هو يستحقها والنصوص الأولى دالة على هذا الاستحقاق.