الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التعليق على كلام الشيخ النائيني(قده) - كلام في تطبيق قاعدة الملازمة - مبحث التجري - حجية القطع.

البيان الثاني لنفي حرمة الفعل المتجرى به: - وهو ما ذ كره السيد الخوئي(قده)، وحاصله: - إذا أردنا أن نقول بثبوت الحرمة للفعل المتجرى به فيوجد احتمالان: -

الاحتمال الأول: - ان تكون هذه الحرمة خاصة بعنوان المتجري فقط ولا تشمل العاصي، فالمتجري يحرم عليه الفعل المتجرى به.

الاحتمال الثاني: - ان تكون الحرمة ثابتة للمتجري والعاصي معاً.

وكلاهما باطل، وإذا بطلا فسوف ثبتت النتيجة وهي أنَّ الفعل المتجرى به ليس بحرام.

أما الاحتمال الأول: - فهو باطل لأمرين: -

الأمر الأول: - إنَّ المتجري لا يلتفت إلى كونه متجرياً حتى يوجّه إليه خطاب بعنوان المتجري وأنه يحرم عليك أيها المتجري الفعل المتجرى به حتى يستفيد من خطاب التحريم، فيكون خطاب التحريم في حقه لغوا، لأنه دائماً لا يلتفت إلى كونه متجرياً.

الأمر الثاني: - لا وجه لجعل الحرمة على خصوص المتجري بعد اشتراكه هو والعاصي في الحرمة، بل العاصي أيضاً قد فعل حراماً - فإن العاصي يعلم بأن هذا السائل خمر ويعلم بأنه حرام ورغم ذلك يشربه - فلماذا تخصص الحرمة بالمتجري بعدما كان العاصي الذي قطعه مصيب للواقع مشتركاً مع المتجري في الحرمة.

وأما الاحتمال الثاني: - فهو باطل، لأنه إذا فرض أنَّ الحرمة عامة للمتجري والعاصي فهذا لا يمكن؛ إذ بمخالفة هذا الخطاب سوف يصير المكلف عاصياً، وإذا صار عاصياً يصير فعله قبيحاً، وبناء على ثبوت الملازمة بين القبح والحرمة يلزم ثبوت حرمة، وبمخالفة تلك الحرمة سوف يلزم القبح، وإذا ثبت القبح سوف تثبت حرمة أخرى ... وهكذا فيلزم التسلسل.

وفي مقام التعليق نقول: -

أما ما افاده في الاحتمال الأول: - فيمكن أن نقول في الجواب على الامرين اللذين ذكرهما فيه: -

أما ما افاده في الأمر فجوابه: - صحيحٌ أنَّ المتجري لا يلتفت إلى كونه متجرياً ولكن إذا ثبتت الحرمة للمتجري فبالأولى تكون ثابتة للعاصي الذي يعلم بأنَّ هذا الشيء حرام واقعاً، وسوف يقول إذا أنا لم أكن متجرياً – لأن المتجري لا يرى نفسه متجريا - فحتماً أنا عاصٍ، وإذا كان عاصياً فحينئذٍ حصل المقصود، وهو أنه معاقب، بالتالي وسوف يكون منتفعاً من الخطاب؛ إذ يقول في نفسه إذا كان المتجري معاقباً فأنا العاصي أولى بالعقوبة منه، وعليه فسوف يستفيد من الخطاب لا أنه لا ينتفع به أصلاً.

وأما ما أفاده في الأمر الثاني فجوابه: - صحيحٌ أنه لا وجه لتخصيص المتجري بالخطاب بعد اشتراكه مع العاصي في التمرد على المولى ولكن هذا يتم فيما إذا فرض أنه لم يُجعل خطاب ثانٍ للعاصي، وأما إذا جعل خطاباً أولاً لعنوان المتجري وجعل خطاباً ثانياً لعنوان العاصي فحينئذٍ لا يلزم هذا اشكال، فصحيح أنَّ العاصي سوف يشترك مع المتجري في الخطاب ولكن لا يلزم أن يكون الاشتراك بنفس الخطاب بل يكون بخطابين خطاب للمتجري وخطاب آخر للعاصي، ولا مشكلة حينئذٍ.

وأما ما افاده في الاحتمال الثاني فيمكن أن نقول:- إنَّ الملازمة بين القبح وبين الحرمة وتوجه الخطاب هي ثابتة في حدٍّ معين وهو فيما إذا لم يلزم التسلسل، فالمولى يجعل خطاباً بالحرمة على المتجري والعاصي وحينئذٍ إذا خالف المكلف فسوف يستحق العقاب، فالملازمة تثبت بهذا المقدار، لا أنَّ هذا الخطاب إذا خولف فسوف يحصل قبح وبحصول القبح يلزم ثبوت حرمة جديدة ... وهكذا فيلزم التسلسل فإنَّ هذا غير صحيح، بل يقال إنَّ الحرمة تثبت بسبب القبح ولكن إلى الحد الذي لا يلزم منه التسلسل وهو المرتبة الأولى، وأما المراتب البعدية فلا يثبت فيها حكم جديد حتى يلزم التسلسل.

إن قلت: - هذا تخصيص في الاحكام العقلية، وهي لا تقبل التخصيص؟

قلت:- إنه ليس تخصيصاً للأحكام العقلية وإنما هو من باب التخصيص، يعني أنَّ العقل من البداية يحكم بالملازمة في المرحلة الأولى دون بقية المراحل التي يلزم منها التسلسل، وبذلك يندفع الاشكال، والوجدان قاضٍ بما نقول، وخذ الخيانة مثالاً على ذلك فإنها قبيحة ويلزم من قبحها الحكم بالحرمة، وهذا يقبل به كل عاقل، ونقبل بالملازمة بين الحكم العقلي والحكم الشرعي فيه، ولا معنى لأن يقول قائل:- إذا ثبتت الحرمة الشرعية فسوف يلزم التسلسل لأنَّ مخالفة هذه الحرمة الشرعية قبيح فيلزم ثبوت حرمة ثانية وبما أنَّ مخالفة الحرمة الثانية قبيحة فتحصل ملازمة فتحصل حرمة ثالثة ... وهكذا فإن هذا لا يلتم به عاقل، بل نقول:- إنَّ العقل يحكم بالملازمة في المرتبة الأولى دون ما زاد على ذلك من المراتب، وهذا ثابت بالوجدان كما ذكرنا في مثال الخيانة فإنها قبيحة ولازم قبحها ثبوت الحرمة بالملازمة بين الحكم الشرعي والحكم العقلي فتثبت حرمة شرعية، ولكن إلى هنا تقف الحرمة الشرعية ولا يقال بعد ذلك ( ومخالفة هذه الحرمة الشرعية قبيحة وإذا كانت قبيحة فيلزم من ذلك ثبوت حرمة جديدة- بناء على ثبوت الملازمة - ... وهكذا فيلزم التسلسل ) فإنَّ هذا مرفوض، بل العقل من البداية يحكم بالملازمة في المرتبة الأولى دون ما زاد عليها.