الموضوع: - التعليق على كلام الشيخ النائيني(قده) - كلام في تطبيق قاعدة الملازمة - مبحث التجري - حجية القطع.
أولاً: - إنَّ بالإمكان أن نختار الاحتمال الثاني، فصحيحٌ إنَّ المتجري لا يرى نفسه متجرياً ولكن مع ذلك ينفعه هذا الخطاب - أي خطاب أيها المتجري يحرم عليك الفعل المتجرى به - ويصير داعياً له على الترك وعدم المعصية؛ إذ يقول في نفسه أنا لست متجرياً وإنما أنا فاعلاً للمحرم فإذا كان المتجري فاعلاً للمحرم ومعاقباً عليه فبمقتضى هذا الخطاب أكون أنا أولى بالعقوبة - لأنه يعتقد أنه يرتكب شرب الخمر الواقعي - وعليه فصار الخطاب المذكور نافعاً له ومحركاً له نحو ترك هذا الماء الذي يقطع بكونه خمراً، وبالتالي سوف يترك الفعل المتجرى به لأنه يعتقد أنه خمر واقعي فيقول إنَّ الخمر الواقعي حرام وهذا بنظري خمر واقعاً فيتركه.
ثانياً: - كما بالإمكان اختيار الاحتمال الثالث، فإنَّ الشيخ النائيني(قده) قال إنَّ هذا الاحتمال لا يمكن لأنه يلزم اجتماع المثلين - حرمتين - في نظر المتجري وهو غير ممكن، ولكن في الجواب نقول: - إنَّ الخطاب في الحقيقة لم يتوجه إلى المتجري فقط وبخصوصه - فإنَّ الخطاب لا يتوجه إلى كل شخصٍ بخصوصه - وإنما هو خطاب عام، وبما أنَّ المتجري يرى أنه ليس متجرياً فخطاب بالحرمة متوجه إلى الذي يرتكب الخمر الواقعي من دون أن يكون متجرياً، كما يوجد خطابٌ آخر لعنوان مقطوع الخمرية يوجه إلى المتجري، وعلى هذا الأساس لا يلزم من ذلك عدم تصديق المتجري لمثل هذا الخطاب.
وإن شئت قلت: - إنَّ النسبة بين حرمة الخمر الواقعي وحرمة مقطوع الخمرية - الذي يكون في باب التجري - هي العموم والخصوص من وجه، فالحرمة الواقعية ثابتة في حق القاطع بالخمرية وقطعه مصيب للواقع، والمفروض أنَّ المتجري يرى نفسه أنه مصداقٌ ومشمولٌ للخطاب بحرمة الخمر الواقعي وأما الخطاب للمتجري - بمقطوع الخمرية اشتباها - فيراه متوجهاً إلى الآخرين وليس متوجهاً إليه، فإنَّ المتجري يرى أنَّ قطعة مصيباً وخطاب ( لا تشرب مقطوع الخمرية ) متوجهاً إلى الآخرين وأما هو فإنه مشمولٌ بخطاب ( لا تشرب الخمر الواقعي ).
فإذاً يوجد خطابان يمكن تشريعهما، خطاب أول بلسان ( لا تشرب الخمر الواقعي ) موجه إلى القاطع الذي يكون قطعه مصيباً، وخطاب ثانٍ لمقطوع الخمرية الذي يكون شاملاً للمتجري، والمتجري يرى نفسه مشمولاً للخطاب الأول وأما الخطاب الثاني فيراه ثابتاً في حق الآخرين من المكلفين ولا يراه متوجهاً إلى نفسه، وبالتالي صار الخطاب بترك مقطوع الخمرية ثابتاً لشخصٍ آخر - لموضوعٍ ثانٍ - ولا يلزم من ذلك محذور اللغوية، أو لا يرى المتجري أنَّ هذا الخطاب شاملاً له فإنَّ هذا المحذور لا يأتي؛ إذ المتجري يرى نفسه مصداقاً للخطاب الواقعي وأما الخطاب الثاني فهو يراه شاملاً لغيره من المتجرين الذين يكون قطعهم مشتبه وأما هو فيرى أنَّ قطعه مصيباً، وعليه فلا يلزم من ذلك اللغوية وعدم امكان توجيه الحكمين إلى شخصٍ واحد، بل ذاك حكمٌ متوجهٌ إلى الخمر الواقعي، وهذا حكم متوجه إلى المتجري، ولا يلزم من ذلك محذور.