الموضوع: - أقول الشيخ النائيني- الرأي الأول في قاعدة الملازمة - مبحث التجري - حجية القطع.
وأما ما ذكره الشيخ الاصفهاني(قده) فحاصله: - إنَّ الشارع المقدس هو أحد العقلاء بل رئيسهم وسيدهم، فإذا حكم العقلاء بقبح الكذب الضار لزم أن يكون الشارع المقدس أولهم في الحكم بذلك لأنه سيدهم ورئيسهم، قال:-
( حيث عرفت أن التحسين والتقبيح العقليين مما توافقت عليه آراء العقلاء لمصلحة العامة أو للمفسدة العامة فلا محالة لا يعقل الحكم على خلافه من الشارع؛ إذ المفروض أنه مما لا يختص به عاقل دون عاقل وأنه بادئ رأي الجميع لعموم مصلحته والشارع من العقلاء بل رئيس العقلاء فهو بما هو عاقل كسائر العقلاء وإلا لزم الخلف من كونه بادئ رأي الجميع )[1]
.
ويرد عليه: - انه لا يلزم أن يحكم الشارع كما حكم العقلاء، بل لابد وأن يكون الأمر بالعكس؛ إذ مادام هو سيدهم ورئيسهم فمعنى ذلك أنَّ عقله أكبر من عقولهم ولعله لأجل كبر عقله يحكم بخلاف ما حكم به العقلاء لأنه هو السيد والرئيس والعقل الأول - إن صح التعبير - لأنه سوف يلتفت إلى ما لا يلتفت إليه غيره منهم، وعليه فالنقطة التي استعان بها وجعلها منطلقاً لاثبات الملازمة ينبغي عدّها على العكس تماماً.
إن قلت: - إنَّ الشارع إذا خالف فلابد وأن تكون مخالفته لأجل مانعٍ من حكمه على وفق ما حكم به العقلاء، وكلما فكرنا نحن العقلاء بذلك لم نجد مانعاً، وعليه فاحتمال كون الشارع وجد مانعاً ولم يجده العقلاء باطل لأنَّ العقلاء لا يجدون مانعاً؟
قلت: - إنَّ كونه سيد العقلاء يوجب احتمال أنه سيلتفت إلى ما لا يلتفت إليه العقلاء.
وعلى هذا الأساس ما ذكره الشيخ الأصفهاني لا يمكن جعله وجهاً لاثبات الملازمة - وأنَّ ما حكم به العقل حكم به الشرع - بل هو على العكس كما ذكرنا.
الرأي الثاني: - ما ذهب إليه العلمان السيد الخوئي والشيخ العراقي من ضرورة عدم الملازمة.
أما ما ذكره السيد الخوئي[2]
فحاصله: - إنَّ حكم العقل إما أن يكون كافياً في تحريك المكلف أو لا يكون كافياً في تحريكه، فإن كان كافياً في تحريكه فلا حاجة حينئذٍ إلى أن يحكم الشارع على طبق ما صار إليه العقلاء لأنهم سوف يتحركون وراء ما حكم به العقل ويتبعونه وهذا يكفي، وإن كان حكم العقل لا يكفي في تحريك المكلف فحينئذٍ الحكم الثاني من قبل سيد العقلاء لا ينفعه أيضاً لأنَّ المكلف لا يتحرك أيضاً.
أولاً: - بالإمكان أن يكون حكم العقلاء وحده ليس محركاً للعاقل بل يكون محركاً إذا انضم إليه حكم الشارع، لأنه سوف يصير تأكيداً وحينئذٍ سوف يتحرك المكلف، كما لو كان عندي أخ كبير وقال لي لا تفعل هذا الفعل فإنه ليس بصحيح فقد لا أتأثر بكلامه ولا انتهي عن الفعل وإنما أبقى مصراً عليه ولكن إذا انضم إليه حثّ الوالد فحينئذٍ يصير داعياً إلى امتثالي، وعليه فضم الثاني لا يكون لغواً.
ثانياً: - حينما يقال إنَّ الحكم مجعول بداعي التحريك لا يراد من التحريك هو التحريك الفعلي بل المراد هو التحريك الشأني، يعني أن يكون من شأنه محركاً وقد لا يتحرك المكلف بسببه، فالشرع المقدس قد حرّم الخمر بداعي التحريك نحو ترك الخمر ولكن البعض قد لا يؤثر فيهم ذلك ولكن هذا ليس معناه أن الداعي الشرعي قد تخلّف عن الحكم، بل الداعي الشرعي موجود وهو الداعي الشأني، أي شأنية التحريك، وهذه الشأنية محفوظة حتى لو لم يتحرك المكلف، واشكال الشيخ الاصفهاني(قده) يأتي فيما إذا فرض أنَّ الداعي كان هو التحريك الفعلي دون التحريك الشأني.