الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - البحث في قاعدة الملازمة - مبحث التجري - حجية القطع.

أما الرأي الأول[1]
: - فقد ذهب إليه العلمان النائيني والاصفهاني: -

أما ما ذكره الشيخ النائيني(قده)[2]
فحاصله:- إنَّ احكام الشرع تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها، وإذا استقل العقل بوجود الملاك للحكم في مورد من الموارد وتحقق الشرط - أي الحكم - وانتفى المانع ففي مثل ذلك لزم أن يحكم الشارع على طبقه، والذي قال بأنه لا يلزم أنَّ يحكم الشارع فهذا يرجع إلى منع المستقلات العقلية، ونحن قد فرضنا أنَّ العقل يستقل بقبح التجري، فبعد استقلاله بذلك فحينئذٍ تثبت الحرمة حينئذٍ، قال:- ( وعليه إذا استقل العقل[3] - بقيح الكذب الضار الموجب لهلاك النبي مع عدم رجوع نفع إلى الكاذب - لزم حكم الشرع بالحرمة[4] - لأن المفروض تبعية الاحكام الشرعية للمصالح والمفاسد، وقد استقل العقل بثبوت المفسدة في هذا الكذب، ومعه كيف يحتمل تخلّف حكم الشارع!!).

ثم قال بعد ذلك نحن لا نريد أن ندعي أنه متى ما أدرك العقل المصلحة الواقعية كفى ذلك في الجزم بحكم الشارع، وإنما نريد أن ندعي ثبوت الملازمة في الجملة وفي بعض الموارد وليس دائماً ومن امثلة الملازمة ما أشرنا إليه وهو الكذب الضار الذي يستوجب هلاك النبي فإن هذا قبيح عقلاً فيلزم أن تثبت الحرمة شرعاً، فمدعانا ليس هو ثبوت الملازمة في جميع الموارد.

ويمكن أن نصوغ كلامه حسب المقدمات التالية: -

الأولى: - إنَّ احكام الشرع تابعة للمصالح والمفاسد في متعلقاتها.

الثانية: - إذا استقل العقل بوجود المصلحة أو المفسدة مع تحقق الشرط وانتفاء المانع لزم حكم الشارع.

الثالثة: - إنَّ دعوى كون العقل ليس له هذا الادراك هو عبارة أخرى عن منع المستقلات العقلية وهذا مخالف للضرورة.

الرابعة: - إنَّ دعوى كون ملاكات الاحكام الشرعية قد تكون تامة وثابتة ولكن لا يحكم الشرع على طبقها خوفاً من إلقاء العباد في المشقة كما في حديث منع السواك الذي يقول: - ( لولا أن اشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك ) يمكن يجاب عنها:- بأنا نفترض عدم وجود المشقة في البين، فإذا استقل العقل بوجود الملاك يلزم من ذلك ثبوت الحكم الشرعي.

وفي مقام التعليق نقول: -

أولاً: - إنَّ ما ذكره مسلّم ومقبول من حيث الكبرى - يعني لو أدرك العقل ملاك الحكم الشرعي فحتماً سوف يثبت الحكم الشرعي ويلزم ثبوت الحكم الشرعي - إلا أنَّ الكلام في الصغرى وأنه هل يدرك العقل الملاك الشرعي للأحكام الشرعية فإنَّ الجزم بهذا شيءٌ صعب ودعوى ادراكه لذلك عهدته على مدعيها، نعم هو مثّل بمثال - وهو الكذب الموجب لهلاك بني - لعله يقنع الطرف الآخر عند سماعه لخصوصية في المثال، فصحيح أنَّ الكذب الذي يوجب هلاك النبي قبيح بل حتى الذي يوجب هلاك مؤمن ولكن نقول نحن نسلَّم بأن هذا الشيء حرام ولكنه ثبت بالأدلة الشرعية وليس من باب قاعدة الملازمة العقلية بين حكم العقل بقبح هذا الكذب الضار وبين الحرمة، فنحن لم نستنتج من هذا حرمة قتل النبي وإنما ذلك ثابت بالأدلة الشرعية.

ثانياً:- حتى لو سلّمنا أنَّ العقل يمكنه أن يدرك الملاك بشكل جزمي وبالتالي ينتقل إلى الحكم الشرعي ولكن نقول لعل الشارع لا يحكم بذلك الحكم، مثل الكذب القبيح الضار فإنَّ العقل يحكم بقبحه ولكن لعل الشارع لا يحكم بالحرمة اكتفاءً بالتقبيح العقلي ووضوح الأمر بين العقلاء، وعليه فلا يلزم ثبوت الحكم الشرعي ولو من هذا الباب، فبعد أنَّ حكم العقل يصير القبح واضحاً وبالتالي سوف يتجنب المكلف الشيء ولا حاجة إلى أن يُحكَم بالحرمة شرعاً، نظير ما ذكره الأصوليون في مقدمة الواجب حيث قالوا هناك ملازمة عقلية بين وجوب ذي المقدمة ووجوب المقدمة؛ إذ لا يمكن عقلاً تحقق ذي المقدمة من دون وجوب المقدمة وأرادوا بذلك استنتاج وجوب مقدمة الواجب، وفي الرد عليهم يقال:- إنَّ ادراك العقل بأنه لا يمكن ادراك ذي المقدمة إلا بفعل المقدمة فلعل الشارع يكتفي به ولا يحكم بوجوب المقدمة شرعاً لعدم الداعي لذلك بعد حكم العقل بها.

بقي شيء: - إنه قال إنَّ العقل إذا لم يمكنه إدراك الملاك التام فذلك يعني منع المستقلات العقلية.

وفي الجواب نقول: - إنَّ المستقلات العقلية ثابتة كقبح الظلم، فيمكن للعقل أن يدرك بأنَّ الظلم قبيح والعدل حسن، فصحيح أنَّ العقل يمكن أن يدرك باستقلاله ملاكات الاحكام كقبح الظلم ولكن لا يمكن أن نستكشف الحكم الشرعي من ذلك؛ إذ لعله يوجد شيءٌ خفي على العقل يمنع من حكم الشارع، أو لعل الشارع اكتفى بحكم العقل.

فإذاً لا يمكن ان تستكشف من المستقلات العقلية اثبات الاحكام الشرعية إما لوجود شيءٍ له دخالة في ثبوت الحكم الشرعي، أو لأجل اكتفاء الشرع بادراك العقل للملاك من دون حاجةٍ إلى جعل حكم شرعي بحرمة الظلم.


[1] وهو دعوى ضرورة الملازمة، وعلى هذا الرأي سوف يصير الفعل المتجرى به حرام، لأنه يقول الملازمة ثابتة بين حكم العقل بالقبح وحكم الشرع بالحرمة.
[2] فوائد الاصول، النائيني، ج3، ص61. أجود التقريرات، السيد الخوئي، ج3، ص68.
[3] هذه الجملة مضافة منا وليست من كلام الشيخ النائيني.
[4] وهذه الجملة مضافة منا وليست من كلام الشيخ النائيني.