الموضوع: - هل الفعل المتجرى به حرام حسب الأدلة الأولية أو لا؟ - مبحث التجري - حجية القطع.
وأما حلّاً فيرد عليه: -إنَّ ما ذكر مبنيّ على أنَّ التكليف مجعول بداعي التحريك، وبناء على هذا يمكن أن يقال إنَّ التحريك لا يمكن إلا في حق القاطع بالشيء، فإنه إذا كان قاطعاً بأنَّ هذا السائل خمر فيمكن حينئذٍ تحريكه نحو تركه، وبناءً على هذا سوف تختص التكاليف بالعالم أعم من كونه مصيباً أو مخطئاً، فيشمل حينئذٍ المتجري - وهو من قطع بالقطع المشتبه المخالف للواقع -.
وأما إذا قلنا إنَّ التكليف لم يجعل بداعي التحريك الفعلي وإنما جعل بداعي التحريك الشأني، أو بتعبيرٍ آخر أنه يريد من هذا التكليف أن يكون محركاً على تقدير علم المكلف بأنَّ هذا السائل خمر - ( يعني إنَّ علمت بكون هذا الشيء خمراً فاتركه ) - فلا وجه حينئذٍ لاختصاص التكاليف بالقاطع فقط بل تعم غيره، فتشمل الشاك أيضاً، وحيث إنَّ الصحيح هو أنَّ التكاليف قد شرّعت بداعي المحركية الشأنية لا المحركية الفعلية فحينئذٍ لا يتم البيان المذكور.
والدليل على أنَّ التكاليف مجعولة بداعي المحركية الشأنية ما يلي: - أولاً: - لا دليل على أنَّ التكاليف مجعولة بداعي التحريك الفعلي، فإنَّ الوجه في هذه الدعوى هو لزوم اللغوية؛ إذ لو لم تجعل الاحكام بداعي التحريك الفعلي فسوف يلزم لغوية تشريعها وانشائها وتوجيهها إلى المكلف، فلأجل عدم لزوم هذه اللغوية نقول بأنَّ الهدف من جعلها وتشريعها هو المحركية الفعلية، ولكن نقول: - يكفي في رفع اللغوية أن تكون التكاليف مجعولة بداعي المحركية الشأنية لا الفعلية، وإذا بنينا على هذا فسوف لا يتم هذا البيان.
ثم إنَّ لازم هذا البيان عدم ثبوت التكليف في حق العصاة؛ إذ لا يوجد في حقهم تحريك فعلي لأنهم عصاة، وسوف يكون العاصي أهون حالاً من غير العاصي.
ثانياً:- لو سلّمنا بأنَّ التكاليف مجعولة بداعي التحريك الفعلي ولكن لا يلزم أن تكون مختصة بالعالم رغم أنها مجعولة بداعي التحريك الفعلي، فإنَّ التحريك الفعلي لا يختص بحالة العلم وإنما يثبت في حالة الاحتمال أحياناً، كما في احتمال كون هذا الشيء خمراً، فنفس هذا الاحتمال يمكن أن يحرك المكلف نحو ترك الشيء، فيُجعَل التكليف في حق المكلفين لا بداعي التحريك الفعلي بل بداعي احتمال كون هذا الشيء خمراً مثلاً فتكون المحركية فعلية بعد وجود هذا الاحتمال، كما لو احتمل الشخص وجود أسد في الطريق فإنه بعد احتماله هذا سوف يخفي نفسه عن الأسد، فنفس هذا الاحتمال يحركه نحو الامتثال بالاختفاء عن الأسد.
إن قلت: - إنَّ هذا يتم بناءً على منجزية الاحتمال ونحن لا نبني على ذلك؟
قلت: - إنَّ كلامنا هو في امكان التحرك ونريد أن نقول إنَّ امكان التحرك والامتثال لا يتوقف على العلم بل يكفي احتمال كون هذا الشيء يوجد فيه تكليف تحريمي، فإمكان التحرك نحو ترك الشيء لا يتوقف على العلم بل يكفي فيه الاحتمال، نعم لزوم التحرك بالترك يتوقف على العلم بأنَّ هذا الشيء خمر.