الموضوع: - هل الفعل المتجرى به حرام أو لا؟ - مبحث التجري - حجية القطع.
النقطة الثانية: - هل الفعل المتجرى به حرام أو لا؟
والبحث عن حرمة الفعل المتجرى به تارةً يكون من زاوية الأدلة الأولية، يعني مثلاً انسان تجرى وتصور أنَّ هذا السائل خمر فتناوله ثم تبين أنه ماء فهل هو حرام بمقتضى الأدلة الأولية كدليل ( لا تشرب الخمر ) أو ليس بحرام، وأخرى يقع الكلام بلحاظ قاعدة الملازمة بين القبح العقلي وبين الحرمة الشرعية، وثالثةً يقع بلحاظ النصوص الخاصة.
الحكم بلحاظ الأدلة الأولية: -قد يقال إنَّ الفعل المتجرى به محرم بمقتضى الأدلة الأولية وذلك لمقدمات أربع: -
الأولى: - إنَّ التكليف مجعولٌ بداعي التحريك، فكل تكليف - وجوبي أو تحريمي - هو كذلك، إما التحريك نحو الفعل كما في الواجبات أو التحريك نحو الترك كما في المحرمات.
الثانية: - إنَّ التحريك لا يتعلق بواقع الشيء - أي بهذا الشيء الخارجي – وإنما يتعلق بالإرادة، أي أنَّ إرادة المكلف يراد تحريكها لترك هذا الشيء مثلاً - في المحرمات - وللإتيان بهذا الشيء مثلاً في الواجبات.
الثالثة: - إنَّ التحريك يتعلق بالمقطوع لا بواقع الشيء.
الرابعة: - لا يمكن تحريك المكلف نحو ترك الشيء إن كان مطابقاً للواقع، يعني ( اترك ما تقطع بكونه خمراً إن كان مطابقاً للواقع ) فإنَّ هذا إناطةٌ بغير المقدور؛ إذ المكلف لا يمكن أن يعرف واقعاً أنَّ قطعه موافق للواقع أو ليس موافقاً له.
والنتيجة: - إنَّ المطلوب من كل تكليف تحريمي هو ترك المقطوع خمريته مثلاً من دون تقييدٍ بمطابقته للواقع، وبذلك يثبت حرمة المقطوع به وإن لم يكن مطابقاً للواقع وهذا عبارة أخرى عن حرمة الفعل المتجرى به، فإذا قطعت بأنَّ هذا السائل خمر فسوف يتوجه تكليف بتركه، وهذا التكليف ليس مشروطاً بمطابقة هذا القطع للواقع فإنَّ هذا اناطة للتكليف بشيءٍ غير مقدور؛ إذ المكلف لا يستطيع أن يعرف أنَّ قطعه مخالفٌ للواقع أو موافق له بل هو يتصور أنَّ قطعه موافق دائماً.
وعليه فسوف تصير النتيجة هي أنَّ كل مقطوع الحرمة يجب تركه سواء طابق الواقع أو لم يطابقه وبذلك يثبت حرمة الفعل المتجرى به.
وفي مقام التعليق نقول: - يرد عليه نقضاً وحلاً.
أما نقضاً: - فيرد عليه: -
أولاً: - إنَّ لازم هذا الكلام اختصاص الاحكام الواقعية بخصوص العالمين بها وعدم شمولها للجاهلين؛ إذ الاحكام مجعولة بداعي التحريك، والتحريك لا يمكن أن يتحقق إلا في حق العالم، وهذا لا يلتزم به نفس صاحب هذا الدليل.
ثانياً: - إنَّ لازم ما ذكر هو أنَّ الاحكام الواقعية تختص بالموضوعات الواقعية - أي المطابقة للواقع - فمثلاً تختص بالخمر الواقعي وبالواجبات الواقعية، فيلزم أن تختص بالموضوع المعلوم - يعني بالخمر الواقعي المعلوم وبالواجب المعلوم - وذلك لأنَّ التكليف على ما ذكر مجعول بداعي تحريك الإرادة وهي لا يمكن أن تتعلق إلا بالشيء المعلوم بناءً على ما ذكر صاحب هذا البيان، فالواجب المعلوم وجوبه هو الذي يتعلق به الوجوب والحرام المعلوم حرمته هو الذي تتعلق به الحرمة، وهذا لا يمكن الالتزام به فإنَّ الاحكام من وجوبات أو محرمات هي متعلقة بالواقع، فهي متعلقة بالواجب الواقعي، فالصلاة الواقعية واجبة لا الصلاة المعلومة الوجوب يكون التحريك نحوها والوجوب يتعلق بها وإنما الصلاة الواقعية والخمر الواقعي هو الذي تتعلق الحرمة بتناوله لا ما كان معلوماً، فبناءً على ما ذكر يلزم اختصاص التكاليف بالموضوعات المعلومة!!
ثالثاً: - إنَّ لازم ما ذكر صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس الواقعي رغم كونه مضافاً أو نجساً واقعاً مادام المكلف يعتقد أنه طاهر أو أنه مطلق، فإنَّ التكليف يتعلق بالموضوع المعلوم، وهذا الماء معلومٌ أنه طاهرٌ واقعاً فيتعلق التكليف به، وأما النجس الواقعي - من دون أن يكون معلوماً - فلا يتعلق التكليف بحرمة تناوله، وهكذا المضاف الواقعي لا يتعلق التكليف بعدم جواز الوضوء به بعد كون الأحكام متعلقه بالموضوعات المعلومة حسب رأي هذا القائل.
فإذاً هذا اشكال يسجل على القائل، ولعله بالتأمل يمكن تسجيل إشكالات أخرى.