الموضوع: - مبحث التجري - حجية القطع.
الوجه الثالث: - أن يقال لو كان الفعل المتجرى به قبيحاً يلزم في حال وجود المصلحة اجتماع الضدين، كما لو فرض أنَّ شخصاً كان على وشك الغرق ورآه شخص آخر لا يحب المولى فاعتقد بأنَّ الغريق عدو المولى أيضاً فانقذه بناءً على اعتقاده فتبين أنه ابن المولى ففي مثل هذه الحالة لو قلنا بقبح الفعل المتجرى به سوف يلزم اجتماع الضدين، فإنه لأجل وجود المصلحة - باعتبار أنَّ الغريق ابن للمولى - يكون الانقاذ محبوباً للمولى، فإذا التزم بقبح الفعل المتجرى به يلزم من ذلك أن يكون المحبوب قبيحاً، فيلزم اجتماع الضدين.
أولاً:- إنَّ ما ذكر - من أنه بناءً على قبح العفل المتجرى به يلزم اجتماع الضدين في بعض الحالات كما في المثال الذي ذكرناه فإنه محبوب لأنه انقاذ ابن المولى وقبيح بناء على قبح الفعل المتجرى به - ليس بصحيح حيث نقول:- إنَّ هذا ليس اجتماعاً للضدين، فإنه لا محذور في كون الشيء محبوباً من زاوية وفي نفس الوقت قبيح من زاوية أخرى، كالغِيبة فإنها قبيحة ولكنها محبوبة لبعض الأشخاص، فاجتماع القبح مع المحبوبية من زاويتين لا محذور فيه، نعم إنَّ الذي لا يمكن هو اجتماع القبح مع الحسن وأما اجتماع القبح مع المحبوبية فلا محذور فيه، وما أكثر المنحرفون الذين تكون بعض الأشياء محبوبة لديهم رغم كونها قبيحة.
ثانياً: - لو سلمنا أنَّ المحبوبية مع القبح هما من قبيل المتضادين ولكن نقول لا محذور في اجتماع مضادين من هذا القبيل، فالشيء الواحد قد يكون قبيحاً من جهة ومحبوباً من جهة أخرى، وشرط الناقض أو التضاد اتحاد الجهة، وحيث إنَّ الجهة مختلفة هنا فلا يلزم محذور في الاجتماع.
ثالثاً: - يمكن أن يقال إنَّ منهجة هذا الدليل باطلة، فإنه فرض في البداية أنَّ الفعل حيث إنه انقاذٌ لابن المولى فهو محبوبٌ ومعه فلا يمكن أن يكون قبيحاً وبذلك يثبت أنَّ العفل المتجرى به ليس بقبيح، ولكن نقول: - لنعكس الامر ونقول إنَّ هذا الفعل حيث إنه انقاذ لابن المولى فهو محبوب، ومعه فلا يصير الفعل المتجرى به قبيحاً، لأننا فرضنا أنه محبوب.
الرأي الثاني: - ما ذهب اليه الشيخ النائيني(قده) في اجود التقريرات وفوائد الأصول، وهو أنَّ الفعل المتجري به ليس بقبيح بالقبح الفاعلي وإنما هو قبيح بالقبح الفعلي، والذي يستلزم العقوبة هو القبح الفعلي دون القبح الفاعلي، والقبح هنا فاعلي فلا يستلزم العقوبة.