الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - مبحث التجري - حجية القطع.

 

واشكل الشيخ النائيني(قده) عليه[1]
وقال:- إنَّ عنوان مقطوع الخمرية إذا لم يكن ملتفتاً إليه فيلزم من ذلك عدم امكان تعلّق أيّ حكمٍ به؛ إذ أمكان تعلق الحكم بالشيء فرع امكان الالتفات إليه - أي فرع الالتفات إلى متعلقه - وحيث لا يتلفت إلى مقطوع الخمرية فلا يمكن حينئذٍ أن يتعلق الحكم به، وهذا باطلٌ جزماً.

وفي مقام التعليق نقول: - ليس مقصوده أنَّ الالتفات إلى عنوان مقطوع الخمرية شيءٌ مستحيل حتى يلزم ما ذكره من محذور، وإنما مقصوده أنه عادةً في باب التجري من يتناول الشيء المقطوع بخمريته لا يتناوله بعنوان مقطوع الخمرية فيلزم أن لا يكون قبيحاً أما التفاته إلى عنوان المقطوع فهو ممكن وهو شيء يلزم أن يكون من الواضحات، نظير ما إذا قيل:- ( لا تشهد على شيءٍ إلا إذا كنت قاطعاً بالمشهود به) فإنَّ هذا لا بأس به؛ إذ يمكن تعلّق الحكم بالقطع بالشيء - أي بحقانية المشهود به -.

الاشكال الثاني:- ما ذكره الشيخ الخراساني(قده)[2] والشيخ النائيني(قده)[3] ، وهو التمسك بالوجدان، فإنَّ من شرب سائلاً يقطع بكونه خمراً وكان في الواقع ماءً أو خلّاً فشربه هذا ليس بقبيح، وتعلّق القطع بكونه خمراً لا يوجب تغير الوصف من كونه غير قبيح إلى كونه قبيحاً.

وفي مقام التعليق نقول: - إنَّ وجداننا يقضي بالعكس، فمن شرب ما يقطع بكونه خمراً ولم يكن في الواقع خمراً نشعر بوجداننا أنَّ هذا المكلف يستهين بالمولى ولا يحترمه، ولا أقل من أننا نذمَّه على ذلك، فيدل على كون هذا الفعل قبيحاً.

ولعله وقع خلطٌ بين مطلبين، بين مسألة المصلحة والمفسدة وبين مسألة الحسن والقبح، ففي عالم المصلحة والمفسدة ما كان فيه مفسدة لا يتبدل إلى المصلحة بالقطع الخاطئ والعكس بالعكس، وأما الحسن والقبح فمن زاوية الحسن والقبح هذا الفعل قبيح، كما أنَّ من يشرب ما يقطع بكونه خمراً وفي الواقع هو خمر ففعله هذا قبيح كذلك من يشرب ما يقطع بكونه خمراً وفي الواقع هو ليس بخمر هو قبيحٌ عند العقلاء أيضاً ويُذَمُّ عليه، نعم قل إنَّ المصلحة والمفسدة لا تتغير لكن هذه قضية ثانية.

الدليل الثالث: - أن يقال إذا فرض أنَّ الفعل المتجرى به كان قبيحاً فيلزم في حالة وجود المصلحة اجتماع الضدين، كمن قطع بأنَّ الشخص الذي يغرق في البحر عدو المولى ولكن مع قطعه بذلك قام بإنقاذه فعلى رأيه يلزم من ذلك اجتماع الضدين وهما المصلحة الواقعية الموجودة في انقاذ هذا الشخص - الذي كان واقعاً هو ليس بعدوٍ للمولى وإنما كان ابنه مثلاً - وقبح التجري، فيلزم أن يصير الشيء الواحد حسناً وقبيحاً، وهذا باطل جزماً، فإذاً لابد وأن نلتزم بعدم قبح الفعل المتجرى به حتى لا يلزم هذا المحذور.

وجوابه واضح: - فإنَّ انقاذ ابن المولى فيه مصلحة، والمصلحة ليست ضداً لقبح التجري، فالتجّري قبيح وذاك الموجود هو مصلحة لا أنه حَسَن، واجتماع المصلحة مع القبح من زاويتين لا محذور فيه.

وبهذا يتضح أنَّ جميع هذه الأدلة الثلاثة التي استدل بها على كون الفعل المتجرى به ليس بقبيح قابلة للمناقشة.


[1] اجود التقريرات، السيد الخوئي، ج3، ص50.
[2] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص260.
[3] اجود التقريرات، الخوئي، ج3، ص47.