45/04/01
الموضوع: - سلب الحجية عن القطع - حجية القطع.
سلب الحجية عن القطع: -
يوجد كلامان في هذا المقام: -
الأول: - هل يمكن اثبات الحجية للقطع أو أنَّ حجيته ذاتية ولا يمكن اثباتها له؟
والجواب: - قيل لا يمكن اثبات الحجية للقطع فإنَّه من تحصيل الحاصل، لأنَّ القطع حجة وحجيته ذاتية قبل جعل الحجية له، وإذا لم يكن القطع حجَّة فأيّ شيءٍ هو الحجة؟!!، وهذا قد تقدم.
الثاني: - هل يمكن سلب الحجية عن القطع؟
الجواب: - المعروف بين الاعلام عدم امكان سلب الحجية عنه، وقد استدل لذلك بعدّة أدلة: -
الدليل الأول:- ما ذكره الشيخ الأعظم(قده)[1] والشيخ الخراساني(قده)[2] ، وهو أنَّ سلب الحجية عن القطع إذا كان مصيباً يلزم منه التناقض مطلقاً في نظر القاطع وفي الواقع، فإنه إذا سلبت الحجية عن القطع يلزم أن يكون الشيء الواحد ثابتاً وليس بثابت، وأما إذا فرض أنَّ القطع كان مخطئاً فسوف يلزم التناقص في نظر القاطع فقط أما بلحاظ الواقع فالمفروض أنَّ المقطوع ليس بثابت - لأنَّ هذا القطع ليس بمصيب - فحينئذٍ لا يلزم التناقص بلحاظ الواقع.
وذكر السيد الشهيد(قده) في بحوثه الاصولية[3] إنَّ في مقصود العلمين ثلاثة احتمالات كلها مرفوضة:-
الاحتمال الأول: - أن يراد هو أنَّ اجتماع الحرمة والاباحة شيء مستحيل، فلو قطع الكلف بأنَّ هذا الشي حرام مثلاً وكان في الواقع حرام أيضاً فلو سلب الشرع الحجية عن هذا القطع فسوف يلزم التناقض بلحاظ الواقع، أي سوف يلزم اجتماع الحرمة والرخصة وهذا مستحيل -.
وإذا كان هذا مقصودهم فجوابه: - إنَّ الحرمة اعتبار عقلائي، والرخصة اعتبار عقلائي أيضاً، ولا مانع من اجتماع الاعتبارين، كما إذا اعتبرت الوقت الآن ليلاً وفي نفس الوقت اعتبرته نهاراً، فهذا مجرد اعتبار لا محذور فيه.
الاحتمال الثاني: - أن يكون المقصود أنه يلزم اجتماعهما بلحاظ الملاك - لأنَّ ملاكيهما متضادين متهافتين - وهو شيءٌ مستحيل.
وجوابه ما ذكرناه في مبحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي:- حيث قيل هناك أنه كيف يجتمع الحكم الواقعي مع الحكم الظاهري فإنه يلزم من ذلك اجتماع الملاكين المتشابهين إذا كانا متفقين في الملاك أو يلزم اجتماع الملاكين المتضادين إذا كانا متنافيين -كالإباحة والحرمة -، وقد أجبنا عن ذلك ذكرنا عدّة حلول، وما ذكرناه هناك من حلول تأتي هنا أيضاً، منها ما ذكرناه من أنَّ ملاك الحكم الواقعي قائم بالمتعلَّق الواقعي بينما ملاك الحكم الظاهري قائم بالجعل والاعتبار وحينئذٍ لا يلزم اجتماعهما في موردٍ واحد، وفي موردنا نقول إنَّ الحجية هي مجعولة للقطع واقعاً لملاكٍ واقعيٍ وقد سلبت الحجية لملاكٍ في نفس سلبها - أي في الجعل - لا في الواقع، وعليه فلا يلزم التهافت من هذه الناحية.
الاحتمال الثالث: - إنه يلزم التنافي بينهما في عالم المحركية، فإنَّ الوجوب - مثلاً - يحرك نحو الفعل والرخصة الثابتة بالحكم الظاهري تحرك أيضاً نحو الترك وعليه فسوف يتنافيان بلحاظ عالم المحركية.
وجوابه:- إنَّ المكلف إذا قطع بالحرمة مثلاً فهذا القطع يحرّك نحو الترك لو لم يسلب الشرع المنجزية عن هذا القطع بسبب قطع المكلف بالرخصة، فإذا قطع المكلف بالرخصة فحينئذٍ نقول إنَّ الشرع قد سلب الحجية عن القطع بالحرمة، وعلى هذا الأساس سوف لا يلزم اجتماع المنجزية والتنافي بينهما في عالم المحرّكية، فصحيحٌ أنَّ القطع بالحرمة يحرّك نحو الترك لكنه يحرك نحوه إذا لم يسلب عنه الشرع المنجزية بسبب القطع بالرخصة، والمفروض هنا أنَّ المكلف قد قطع بالرخصة، فالمنجزية حينئذٍ سوف تزول عن القطع الأول، وعليه فلا يلزم التنافي في عالم التحريك.
ونحن في مقام التعليق نقول: - يمكن أن نجيب بجوابين: -
الأول: - يمكن أن نختار الاحتمال الأول - وهو عدم امكان اجتماع الحرمة والاباحة حتى وإن كانا اعتبارين - والوجه في ذلك هو إنَّ المكلف إذا قطع باعتبار الشارع للحرمة الواقعية فلا يمكن حينئذٍ أن يصدّق باعتبار الشرع للرخصة، وحينئذٍ لا يلزم التنافي في عالم المحركية، فأنا المكلف إذا قطعت بالحرمة فلو جعل الشارع الاباحة فلا يلزم حينئذٍ التنافي في عالم التحريك باعتبار أني إذا قطعت باعتبار الشارع للحرمة فلا يمكن لي أن اصدّق باعتبار الشارع للرخصة حتى يلزم من ذلك التنافي بين الاعتبارين.
إن قلت: - إنَّ الشارع في باب الاحكام الظاهرية قد حكم بالحكمين المتنافيين، فواقع الشيء حرام لكن رغم كونه حراماً واقعاً إلا أنَّ الشارع حكم بالاباحة وقال: - ( كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام )، وأنا لا أعرف أنه حرام، فهو حرامٌ واقعاً ولكن ثبتت له الرخصة بمقتضى اصالة الاباحة؟!
قلت: - إنه هنا لا يوجد قطع بالحرمة فيمكن حينئذٍ جعل الاباحة، وعيليه فلا يلزم اجتماع الحكمين المتنافيين في موردنا.