الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - كلام الشيخ الخراساني في اثبات الحجية للقطع ومناقشته - الأقوال في حجية القطع - حجية القطع.

 

اثبات الحجية للقطع: -

تكلمنا فيما سبق عن حجية القطع وبقي شيء من الحديث عنه نكمله الآن، وحاصله إنَّ الشيخ الخراساني(قده) ذكر في كفايته أنَّه لا يمكن اثبات الحجية للقطع بالجعل التأليفي وإنما هي ثابتة له بالجعل البسيط، قال:- ( لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلاً ... وتأثيره في ذلك لازم ... ولا يخفى أن ذلك لا يكون بجعل جاعلٍ بعدم جعلٍ تأليفي حقيقةً بين الشيء ولوازمه بل عَرَضاً بتبع جعله بسيطاً )[1] .

وعبارته واضحة في أنَّ اللوازم التي لا تنفك عن الشيء لا يمكن جعلها بالجعل التأليفي لذلك الشيء - والجعل التأليفي هو اثبات شيءٍ لشيء - وإنما الممكن هو الجعل البسيط، بمعنى أنه يجعل الأربعة مثلاً فتحدث الزوجية لها بشكلٍ قهري، لا أنه يُوجِد الأربعة ثم يجعل ويُوجِد الزوجية لها ويجعلها بجعلٍ آخر، وعليه فالحجية حيث أنها من اللوازم الذاتية للقطع فلا يمكن أن تجعل له بنحو الجعل التأليفي، بل الممكن هو جعلها بالجعل البسيط بأن يخلق المولى القطع في قلب المكلف فتتحقق بذلك الحجية بالتبع لأنها من لوازم القطع من دون جعلٍ ثانٍ لها بعد جعل القطع وايجاده.

وما ذكره لا بأس به ولكن نقول: - هناك طريقة أخرى لاثبات الحجية للقطع أسهل مما ذكره وهي خالية من المصطلحات، وذلك بأن نقول: - لا اشكال في أنَّ الله عزَّ وجل شرَّع للعباد احكاماً شرعية كثيرة - وهذه مقدمة مسلَّمة - والقدر المتيقن مما يجب امتثاله من هذه التكاليف هو التكاليف المقطوعة، فثبت بذلك المطلوب.

ومما ذكرنا يتضح أننا لا نحتاج إلى عقد مسألتين كما قد توحي به عبارة صاحب الكفاية(قده) احداهما بعنوان وجوب امتثال الاحكام الشرعية وثانيهما باسم حجية القطع، بل لنعقد مسألة واحدة وهي أنه لا اشكال في تشريع أحكامٍ في الشريعة - وهي المسألة الأولى - ثم يذكر لها مكمّل فيقال (والقدر المتيقن من وجوب الامتثال هو الاحكام المقطوعة)، وهذا يكفي.

ونلفت إلى قضية جانبية: - وهي أنَّه لا اشكال في وجوب امتثال الاحكام إذا كانت قطعية، ولكن هل وجوب الامتثال هذا يحتاج إلى مثبتٍ شرعيٍ - أي بتشريعٍ ودليل ثانٍ - أو لا؟

الجواب: - لا نحتاج في اثباته إلى دليلٍ شرعيٍ ثانٍ وإنما هو ثابتٌ بالعقل؛ إذ لو ثبت وجوب امتثالها بحكمٍ شرعيٍ آخر فحينئذٍ نسأل عن هذا الحكم الآخر ونقول هل وجوب امتثاله شرعي أو عقلي؟ فإن قيل هو عقلي فنقول لنقل ذلك في الوجوب الأول من دون حاجةٍ إلى تكرارٍ وتطويل، وإن قيل هو شرعي فنذهب إلى الوجوب الثالث ونسأل عنه نفس السؤال أيضاً... وهكذا فيلزم التسلسل، وبذلك يثبت أنَّ وجوب امتثال الاحكام الشرعية لا يمكن أن يكون بحكم الشرع وإنما هو بحكم العقل.

وعلى هذا الأساس لا اشكال في ثبوت وجوب امتثال الاحكام الشرعية القطعية وجوباً عقلياً.


[1] كفاية الأصول - ط آل البيت، الآخوند الخراساني، ج1، ص258.