45/03/28
الموضوع: - المختار في حجية القطع، أدلة قاعدة قبح العقاب بلا بيان ومناقشتها - الأقوال في حجية القطع - حجية القطع.
والأجدر في توجيه حجية القطع بالتكليف أن يقال: - هناك ثلاثة أمور مسلَّمة: -
الأول: - إنَّ الله عزَّ وجل قد خلقنا لمصلحةٍ، وهذه قضية جزمية.
الثاني: - إنه أثبت علينا التكاليف لمصلحةٍ جزماً.
الثالث: - إنه توعّد بالعقاب - إذا خالف العباد التكليف - لمصلحةٍ ترجع للعباد.
وحينئذٍ يحكم العقل بوجوب اطاعته في تلك التكاليف تخلصاً من العقاب الذي توعّدنا به، والقدر المتيقن من هذا الحكم العقلي هو حالة القطع بالتكليف، وبهذا تثبت حجية القطع.
وهل حكم الظن بالتكليف واحتماله حكم القطوأنهما حجة كالقطأو أنَّ امرهما مختلف؟
الجواب: - ذهب مشهور الاصوليين إلى أنه لا يلزم الاطاعة في حالة الظن والاحتمال، واستندوا في ذلك إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وقد فسّروا البيان بالقطع، وعليه فيكون الظن والاحتمال ليسا بحجة لأجل هذه القاعدة،
ولكن نقول: - المناسب عدم تمامية هذه القاعدة، لعدم الدليل عليها.
وقبل أن نوضح المطلب نشير إلى قضية جانبية: - وهي أنَّ اصحاب هذه القاعدة استعانوا بكلمة ( البيان ) حيث قالوا ( يقبح العقاب بلا بيان ) وحينما يسمع الانسان بهذا التعبير يلتفت إلى أنه لا يوجد بيان من قبل المولى فمن المناسب حينئذٍ أن يقبح العقاب عليه لأنه لا يوجد بيان، فكلمة البيان لها جنبة إعلامية هي التي صارت سبباً في قبول هذه القاعدة في الوسط العلمي، وأما إذا حذفنا هذه الكلمة وابدلناها باللفظ المناسب الذي هو المقصود وقيل:- (يقبح العقاب على التكليف عند عدم القطع به وإن كان هناك ظن) فحينئذٍ قد يتوقف في قبول هذه القاعدة، ونحن نعتقد أنَّ سبب قبول المشهور لهذه القاعدة هو ذكر كلمة ( بيان ) فيها، أذ لو ابدلت بكلمة ( قطع ) فلعله يتوقف فيها، ولا اقل لا يُسارَع إلى تصديقها والدفاع عنها.
فهذه القاعدة ليست بديهية وإنما يحتاج اثباتها إلى دليل.
الأدلة على اثبات قاعدة قبح العقاب بلا بيان: -
ذكرت ثلاثة أدلة لإثبات قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
الدليل الأول:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده)[1] ، وحاصله:- إنَّ وجه هذه القاعدة هو أنه لا مقتضي لتحرّك المكلف عند عدم بيان التكليف - أي عند عدم القطع به - وإذا لم يكن هناك مقتضٍ للتحرك بسبب عدم وصوله - أي عند عدم البيان - فحينئذٍ يقبح العقاب عليه.
وفي مقام التعليق عليه نقول: - نسلَّم أنه يقبح العقاب إذا لم يصل التكليف ولم يبيَّن للمكلف ولكن لماذا يحصر البيان والوصول بالقطع والعلم فقط فإنَّ هذا هو عين المتنازع فيه وهو أوّل الكلام؟!! فأنت لم تقم دليلاً على مدّعاك؟!! بل يمكن أن نقول إذا كان الظن موجوداً خصوصاً إذا كان ظناً معتداً به كفى ذلك لصحة العقاب.
الدليل الثاني:- ما ذكره الشيخ الاصفهاني(قده)[2] ، وحاصله:- إنَّ جميع احكام العقل العملي ترجع إلى حكمٍ واحدٍ وهو حسن العدل وقبح الظلم، والظلم يتحقق بمخالفة ما قامت عليه الحجة، وحيث إنه عند عدم القطع لا حجة فحينئذٍ يقبح العقاب.
وجوابه واضح أيضاً حيث نقول: - نسلَّم أنه يقبح العقاب بلا حجةٍ وبيان، ولكن لا نسلّم حصر الحجة والبيان بخصوص القطع والعلم فإنه لم يُقِم عليه دليلاً وإنما هو عين المدّعى وعين المتنازع فيه، بل يمكن للحجة أن تشمل للظن أيضاً خصوصاً إذا كان ظناً قوياً كثمانين بالمائة.
الدليل الثالث[3] :- ما ذكره الشيخ الاصفهاني(قده) أيضاً، وحاصله:- إنَّ التكليف الحقيقي هو ما انشئ بداعي التحريك، ولا يمكن التحريك إلا مع الوصول، فإذا لم يصل التكليف فلا تكليف حقيقي، فيقبح العقاب حينئذٍ.
والتعليق عليه واضح حيث نقول: - هناك مقدمة ذكرتها ولم تستدل لها بدليل، وهي أنَّ الوصول يراد به العلم والقطع، فأنت حصرت الوصول بالقطع، ولكن يمكن أن نقول حتى الاحتمال العقلائي يكون حجة أيضاً لا القطع فقط.
والخلاصة من كل هذا: - إنه لا دليل على ثبوت قاعدة قبح العقاب بلا بيان فإنها موقوفةٌ على أنَّ وصول التكليف ينحصر بالقطع، وهذا لم يقيموا عليه دليلاً، بل نقول حتى لو تنزلنا وقلنا بأنَّ الوصول يتحقق بالقطع ولكن نحن نضيف شيئاً ونقول إنَّ الوصول يتحقق أيضاً بالظن المعتد به.