الموضوع: - تتمة الاحتمال الثالث في حجية القطع والتعليق عليه - الأقوال في حجية القطع - حجية القطع.
وزاد السيد الشهيد(قده) شيئاً وقال: - إنَّ ما ذكروه يشتمل على خللٍ، حيث قالوا يلزم اطاعة المولى في التكليف المقطوع باعتبار أنَّ عصيانه ظلمٌ له، ولكن نقول:- إنَّ هذا تطويل بلا طائل، لأنَّ الظلم يثبت إذا ثبت له حق الطاعة، ولكن إذا ثبت له حق الطاعة فهو بنفسه كافٍ لوجوب اطاعته عند القطع بالتكليف من دون حاجةٍ إلى ادخال مسألة ظلم المولى في الحساب وقبل الوصول إليها، لأنَّ الظلم فرع ثبوت حق الطاعة، فإذا كان حق الطاعة ثابتاً له كفانا ذلك لأنَّ القدر المتيقن من حق الطاعة هو حالة القطع بالتكليف من دون حاجةٍ الى الاستعانة بمسألة الظلم، فنفس افتراض ثبوت حق الطاعة للمولى علينا بسبب المنعمية يكفي لثبوت حجية القطع بالتكليف.
وبهذا سوف تبطل قاعدة قبح العقاب بلا بيان[1]
- التي بنى عليها المشهور - لأنه مادام للمولى عزَّ وجل حق الطاعة علينا بسبب المنعمية فالقدر المتيقن منها هو حالة القطع بالتكليف، بل يمكن أن نتوسع ونقول يجب اطاعته في التكاليف المظنونة بل والمحتملة أيضاً.
ونحن نذكر مثالاً لذلك: - وهو ما لو جاء شخص ووفر لي ما احتاجه من دارٍ وسيارةٍ وزوجة فصار منعماً علي، فإذا قطعت بأنه عطشان فهل يلزم علي اطاعته بجلب الماء له أو لا يلزم ذلك؟ إنَّ العقل هنا يحكم بلزوم التحرك وجلب الماء له، بل يمكن أن يقال إنَّ العقل يحكم بلزوم التحرك وجلب الماء حتى لو احتملت عطشه لأنه منعمٌ وله حق الاطاعة فيلزم الامتثال حتى في حالة الاحتمال لا في حالة الظن أو القطع فقط، فجوب الامتثال لا يتوقف على العلم بل يعم العلم والظن والاحتمال؛ إذ بعد الالتفات إلى حق المنعمية الثابت للمولى علينا يصير حتى احتمال التكليف منجزاً وبذلك تبطل قاعدة قبح العقاب بلا بيان
[2]
.
الأول: - إنَّ نفس الاعتراف بمنعمية المولى الواسعة علينا يكفي لإثبات حجية القطع من دون حاجة إلى التمسك بمثل قبح الظلم أو ما شاكل ذلك مما ذكره المشهور، بل ويمكن أن يقال يثبت بذلك حجية الظن والاحتمال أيضاً.
الثاني: - إنَّ الوجدان قاضٍ بسعة حق الطاعة حتى لحالة الظن والاحتمال، وبذلك تبطل قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
وفي مقام التعليق على ما ذكره نقول: - جميعنا يسلّم بأنَّ لله عزَّ وجل علينا حق الطاعة ولا نشك في ذلك ولكن ما هو التوجيه الفني لوجوب اطاعته حالة القطع بالتكليف بحيث يحق له العقاب على المخالفة؟
والجواب: - إنَّ لذلك وجوهاً: - الوجه الأول: - كونه المنعم علينا، ومادام منعماً علينا فله حق معاقبتنا على التكليف إذا قطعنا به ولم نسر على طبقه. ويمكن نسبة هذا الرأي إلى المتكلمين.
وفي مقام التعليق نقول: - نسلَّم أنَّه إذا كان المولى منعماً علينا فمن المناسب أن نجازيه بالإحسان فإنه
﴿ هل جزاء الاحسان إلا الاحسان ﴾ - وهذا نظير ما لو فرض أنَّ شخصاً اطلع على حالك فاشترى لك داراً وسيارة وزوجك ابنته واعطاك راتباً شهرياً فمن المناسب هنا أن تطيعه إذا أراد شيئاً - ولكن ثبوت حق المعاقبة له على المخالفة هو أول الكلام.
فهنا توجد قضيتان لابد من التمييز بينهما: -
الأولى: - مادام هو منعمٌ عليك فمن المناسب أن تجازيه بالاحسان وأن تطيعه إذا علمت بأنه يريد شيئاً بل حتى لو ظننت أو احتملت ذلك.
الثانية: - إذا عصيت امتثال أوامره يوماً ما فهل المناسب عقلاً أو عقلائياً أن يعاقبك على ذلك؟ إنَّ ثبوت حق المعاقبة له هو أوّل الكلام.
وعليه يتضح الاشكال على المتكلمين الذين قالوا للمولى حق العقوبة لأنه منعم، حيث نقول نحن نسلّم بذلك ولكن المنعمية تقتضي الشكر وعدم المخالفة، أما أنَّ المكلف يستحق العقوبة لو خالف فهذا أول الكلام، بل يمكن التوقف في ذلك.
[2] بحوث في علم الأصول، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، ج4، ص26.