الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

45/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - هل الحسن والقبح عقليان أو عقلائيان؟ - حجية القطع.

أما الاحتمال الأول وهو أنَّ حجية القطع ثابتة بحكم العقلاء:- فلا اشكال في وجوب سير المكلف على طبق قطعه بالتكليف فإن خالفه استحق العقوبة من باب حسن العدل وقبح الظلم، فإنَّ مقتضى العدل أنه إذا قطع وعمل على طبق قطعه فسوف يستحق الثواب إذا كان مطابقاً وإن خالف فسوف يستحق العقاب لأنَّ ذلك نحو ظلمٍ للمولى، ولعل هذا المقدار متفقٌ عليه بين الاصوليين.

وإنما وقع الكلام في أنَّ حسن العدل وقبح الظلم هل هما من القضايا الواقعية الثابتة في لوح الواقع ودور العقل هو دور الكاشف عن ذلك - أي لا أنه يعطي الحسن للعدل ويعطي القبح للظلم وإنما يكشف عمّا هو ثابت لهما في الواقع - أو أنَّهما من الاحكام العقلائية التي تبانا عليها العقلاء، فبسبب اتفاق العقلاء على حسن العدل وقبح الظلم حُكم بأنَّ العدل حسنٌ والظلم قبيحٌ؟

من جملة من بنى على أنه ثابت بحكم القعلاء الشيخ الاصفهاني(قده) حيث قال:- إنَّ حسن العدل حكمٌ عقلائيٌ ثبت بسبب اتفاق العقلاء عليه، وقبح الظلم ثبت أيضاً بسبب اتفاق العقلاء عليه. وعُبِّر عن ذلك بالآراء المشهورة.

وقد استدل على كونهما حكمان عقلائيان:- بأنَّ القضايا التي يحكم بها العقل - كما عرفنا في المنطق - ستة، هي الأوليات والحدسيات والفطريات والتجريبيات والمتواترات والحدسات، وقبح الظلم أو حسن العدل ليس واحداً منها، فيكونان من المجعولات والمتبنيات العقلائية

ويترتب على ذلك ثمرتان:-

الاولى:- امكان المنع الشرعي وعدمه، بمعنى أنه يمكن للشارع المقدس أنَّ ينهى عن العدل، لأنَّ الحكم عقلائي إنما يكون حجة إذا لم ينهَ الشارع المقدس عنه، وحيث إنَّ حسن العدل أمر عقلائي فبامكان الشرع أنَّ ينهى عنه لأنه من المجعولات العقلائية المنوطة بامضاء الشارع وعدم ردعه.

الثانية:- وهي تظهر في باب العلم الاجمالي، حيث يوجد بحث في العلم الاجمالي وهو أنه إذا علمنا بنجاسة احد الاواني في شبهةٍ محصورة فعلى رأي الشيخ الاصفهاني يمكن اجراء الأصول المؤمّنة - كأصل الطهارة وعدم الحرمة - في جميع الاطراف، أي يمكن الترخيص في جميع الاطراف، وهذه ثمرة مهمة[1] .

وفي مقام التعليق على ما ذكره نقول:-

أولاً:- يلزم مما ذكره إنه قبل وجود الشبر واتفاقهم على ذلك لا يكون العدل حسناً ولا الظلم قبيحاً، لأنه لا يوجد عقلاء في ذلك الزمان حتى يحصل منهم التباني على ذلك وإنما صارا كذلك بعد خلقة البشرية وتباني العقلاء عليه، وهذا لا يمكن الالتزام به، وهو بخلاف استحالة اجتماع النقيضين وارتفاعهما فإنهما مستحيلان قبل خلقة البشرية وبعد خلقتها.

ثانياً:- لو فرض وجود دارٍ آيلةٍ إلى السقوط قد تركها اهلها فجاءء شخصٌ آخر وجدد بناءها من دون أن يستأذنهم وحينما اطّلعوا على ذلك لم يرضوا بما فعله، فعلى رأي الشيخ الاصفهاني يلزم أن يكون هذا العمل حسناً، لأنه من زاوية المصالح توجد مصلحة في بناء هذه الدار مجاناً، والحال أنَّه من الصعب أن نحكم بحسن ما فعله هذا الشخص مادام اصحاب الدار غير راضين ولم يستأذنهم.


[1] لكن المعروف أنه لا يمكن الترخيص في جميع الأطراف.