45/03/16
الموضوع: - توجيه استنباط غير الاعلم والعمل برأيه، حجية القطع.
توجيه استنباط غير الاعلم والعمل برأيه:-
هناك قضية نشير إليها من باب الكلام يجر الكلام:- وحاصلها إنَّ غير الاعلم كيف يستنبط الحكم من الأدلة بعد فرض وجود الاعلم، إذ يحتمل أنه لو ناقشه الاعلم لغيّر رأيه، وبكلمة اخرى:- مادام هذا المجتهد يعترف بأنَّ الغير أعلم منه فحينئذٍ لا يمكنه أن يستنط حكماً من الأدلة لاحتمال تغير رأيه بعد مناقشة الاعلم له، فكيف لغير الأعلم أن يستنبط الحكم وكيف يكتب له في اجازة الاجتهاد - كما هو المتعارف - أنَّه له العمل بما استنبطه والحال أنه يمكن أن يقال بأنَّ استنباطه مرفوضٌ لأجل ما ذكر.
ونلفت النظر إلى أنَّ هذا الاشكال يتم فيما إذا توفرت امورٌ ثلاثة:-
الأول:- أن يعترف غير الاعلم بأنَّ المجتهد الآخر - الذي اعطاه اجازة الاجتهاد أو غيره - هو اعلم منه، وأما إذا كان يعتقد في نفسه أنه هو الاعلم - وإن كان مخطئاً - فهذا الاشكال لا يأتي، لأنه يعتبر نفسه اعلم وما يستنبطه هو الصحيح ولا موجب للرجوع إلى غيره.
الثاني:- اختلافهما في الفتوى، فإذا اختلف الاعلم مع غير الاعلم في الفتوى فسوف تصير فتوى غير الاعلم محل اشكال، وأما إذا اتفقا فيها فلا يلزم حيينئذٍ الاشكال فيها لفرض عدم الاختلاف بينهما.
الثالث:- يلزم أن نفترض أنَّ يكون اختلافهما في الامور الصناعية الفنية وليس في الامور الاستظهارية الوجدانية، فتارةً يختلف الاعلم مع غير الاعلم في الاستظهار، فمثلاً الأول يقول ظاهر الرواية هو نجاسة الكتابي لأنَّ الامام عليه السلام قال ( لا تشرب من سؤره )، بينما الثاني يقول لا ظهور لها في النجاسة بل مقصود الامام عليه السلام هو التنزّه عنه لأنه ليس بمسلم أو ما شاكل ذلك من الاحتمالات، وتارةً يختلف معه في الأمور الفنية الصناعية.
وعليه فلابد وأن نفترض توفر هذه الامور الثلاثة حتى يأتي هذا الاشكال.
ويمكن الجواب عن هذا الاشكال نقضاً وحلاً:-
أما نقضاً فنقول:- إنَّ هذا الاشكال يأتي على الاعلم الحي أيضاً، لأنَّ فتواه قد تختلف مع فتوى الاعلم الميت الذي يعترف الجميع باعلميته حتى من الاعلم الحي بحيث لو اجتمع معه الحي لغيّر الأعلم الحي رأيه بسببه.
وأما حلّاً:- فيمكن أن يقال على المجتهد أن يسعى إلى النظر في الأدلة لتحيصل القناعة الكافية بالحكم الذي ينتهى إليه، فإذا حصلت عنده القناعة الكافية بالحكم فحينئذٍ لا تضر مخالفته للاعلم، إذ لعل الاعلم هو المشتبه في نظره، فحتى لو فرض أنه أعلم إلا أنَّ ذلك لا يعني أنه لا يشتبه ابداً، وعليه فإذا وصل المجتهد إلى القناعتة الكافية عند النظر في الأدلة كفى ذلك للاستنباط والعمل برأيه ولا يضره وجود احتمالاتٍ اخرى يصير إليها آخرون، وهذه قضية وجدانية، فإننا قد نستظهر شيئاً معيناً ولا يمكن لقناعتنا به أن تتزحزح مهما ناقشنا بها الآخرون بل نرى اشتباههم فيما استظهروه، وعليه فاعتراف غير الاعلم بكونه غير اعلم والآخر اعلم منه لا يؤثر على تمكنه من استنباط الحكم والوصول إلى حكمٍ معين.
وما ذكرناه مطابقٌ للسيرة العقلائية، وهي جارية عليه، كما لو ذهبنا بمريضٍ إلى طبيبٍ حاذقٍ فقال لابد من اجراء عمليةٍ جراحية له فسوف نجري له العملية عند ذلك الطبيب والحال أنه يوجد غيره من الاطباء في مكانٍ آخر اخذق منه ولو ذهبنا إليهم لأمكن أن يرون شيئاً آخر غير اجراء العملية الجراحية ولكن رغم ذلك لا يتوقف العقلاء في ذلك والسيرة العقلائية جارية عليه.
وما المقصود من الاعلم؟
الجواب:- ليس المقصود من الاعلم هو من كان اقوى اصابةً للواقع، فإنَّ الواقع لا يعرفه إلا الله تعالى، ولا نتمكن أن نقول إنَّ الواقع جزماً هو ما انتهى إليه الاعلم، وإنما المقصود هو أن يكون اكثر واشد التفاتاً إلى النكات والقضايا الفنّية.
وبهذا ننهي كلامنا عن هذا الموضوع.
حجية القطع:-
لا اشكال في حجية القطع، والمقصود من الحجية هو المنجزية والمعذرية، يعني أنَّ القطع منجّزٌ ومعذّر، فيكون منجّزاً عند اصابته، ويكون عذّراً عند خطأه، ولكن ما الحاكم بحجية القطع فهل هو العقلاء أو العقل أو حق الطاعة؟ والمقصود من أنَّ حق الطاعة يقتضي حجية القطع - كما ذهب إليه السيد الشهيد(قده) - أنَّ العقل يرى أنَّ لخالقنا علينا حقاً وسيعاً والقدر الميتقن من هذا الحق هو حالة القطع.
وبناءً على هذا يمكن أن نقول إنَّ المسلك الثالث يرجع إلى المسلك الثاني لا أنه مسلك مستقل في مقابله، إلا أنَّ الفارق بينهما أنه على المسلك الثاني لا ندخل حق الطاعة في الحساب وإنما العقل يحكم ابتداءً بأن الله عزّ وجل يجب اطاعته إذا حصل القطع والقطع حجة، فعقلنا يدرك ذلك من دون حاجةٍ إلى ادخال فكرة حق الطاعة في البين، بخلاف ما ذهب إليه السيد الشهيد(قده).
وعليه فحجية القطع بمعنى المنجزية والمعذرية لا اشكال فيها، وهي إما عقلية من دون ادخال فكرة حق الطاعة في الحساب، أو هي عقلية مع ادخال فكرة حق الطاعة في الحساب.