45/03/03
الموضوع: - توجيه عملية الإفتاء - الدورة الاصولية الخامسة.
توجيه عملية الافتاء:-
لا اشكال في جواز الافتاء للمجتهد، كما يجوز تقليده فيما افتى به، ولكن لو فرض وجود رواية تقول:- ( إذا فرض حصول النقاء للمرأة من الدم جاز لها دخول المساجد وقراءة العزائم ) فهنا سوف يفتي المجتهد على طبقها، ولكن مع فقد الرواية سوف يجري الاستصحاب، ومقتضى الاستصحاب أنه حينما كان ينزل عليها الدم لا يجوز لها دخول المساجد أو قراءة العزائم وحينما ينقطع دمها يشك في جواز ذلك فيجري استصحاب عدم الجواز أيضاً - وهذا استصحابٌ في شبهة حكمية -.
والمشكلة التي تواجه الفقيه هنا:- هي أنَّ جريان الاستصحاب يحتاج إلى يقين وشك، والمجتهد إذا لاحظ نفسه فلا معنى لأن نقول هو يوجد عنده يقينٌ وشك، لأنَّ التي حاضت هي المرأة وليس نفس المجتهد، فالحكم بعدم الجواز لم يكن ثابتاً في حقه سابقاً حتى يستصحب بقاءه، فكيف يجري الاستصحاب؟
اللهم إلا أن يفترض أنه يجريه بلحاظ المرأة لا بلحاظ نفسه.
ولكن الجواب:- إنَّ المرأة غافلة عن قضية اليقين والشك ولا تعرف هذه الامور وإنما هذا التوجه يحصل للمجتهد وطالب العلم دونها، نعم لو نُبِّهت على ذلك أمكن حصول الشك لها في جواز دخول المساجد بعد التنبيه فيقال لها أنت كنت لا يجوز لك دخول المسجد يقيناً وبعد انقطاع الدم وقبل الغسل إن شككت فحينئذٍ يجري استصحاب عدم جواز الدخول في حقك، بيد أنَّ هذا الشك هو شك تقديري وليس فعلياً، والاستصحاب إنما يجري فيما إذا كان اليقين والشك فعليين، فإنَّ ظاهر ( لا تنقض اليقين بالشك ) هو أنه لا تنقض اليقين الفعلي بالشك الفعلي، وهذه المرأة لا يوجد عندها شك فعلي لأنها لم تتعلّم العلوم الحوزوية حتى يحصل عندها الشك الفعلي إذا نقت وقبل أن تغتسل، فهي لا يوجد عندها توجه إلى هذه الامور عادةً وهذا الامر يحتاج إلى توجه، فالشك في حرمة دخولها المسجد تقديري - مادام قد نقت من الدم ولم تغتسل - وحينئذٍ كيف يجري الفقيه الاستصحاب والحال أنَّه لا يوجد عندها شك فعلي!!، وهذه مشلكة يلزم أن يعالجها الفقيه.
بل يمكن أن يذكر اشكالٌ ثانٍ في غير مسألة الاستصحاب:- وهو أنَّ شرط العمل بالحكم المدلول للرواية هو عدم وجود المعارض لها، وإلا لو كان المعارض للرواية موجوداً - كالرواية الدالة مثلاً على أنها إذا نقت من الدم جاز لها دخول المسجد - فحينئذٍ لا يمكن العمل بهذه الرواية لوجود المعارض، وهكذا في سائر الموارد التي يريد الفقيه اجراء الاستصحاب فيها، فحتى لو نُبِّهت المرأة على وجود رواية في المورد إلا أنه يوجد لها معارض والمرأة العامية لا يمكنها التصدي لمثل هذا.
وهذا الاشكال يأتي في حق الرجال أيضاً ولا يختص بالنساء، فالفقيه إذا اراد أن يجري استصحاب وجوب الجمعة مثلاً إلى زمن الغيبة فهو يحتاج إلى يقينٍ سابقٍ وشكٍ لاحق، والعامي ليس ملتفتاً إلى وجود يقينٍ سابق، نعم لو نُـبِّه على ذلك لانتبه ولكنه لم ينبه عليه، وهكذا بالنسبة إلى الشك، فيقينه ليس بفعلي وشكه ليس بفعلي أيضاً فكيف يجري استصحاب بقاء وجوب صلاة الجمعة إلى زمان الغيبة!!؟ وبالتالي كيف يفتي المجتهد لمقلديه بثبوت الوجوب في حقهم والحال أنَّ الاستصحاب لا يجري في حق العامي لأنه ليس بملتفتٍ إلى اليقين وإلى الشك بنحو الفعلية، نعم لو نُبِّه على ذلك لحصل عنده اليقين والشك، إلا أنَّ الفقيه إذا اراد أن يفتي لا يبيّن للمكلف ذلك حتى يصير عنده يقينٌ سابق وشكٌ لاحق فيجري الاستصحاب.
وهذا اشكال سيّال ولا يختص بالافتاء للنساء في مسائل الحيض وما شاكلها وإنما يعم افتاء الرجال أيضاً، لأنَّ المكلف العامي لا تكون اركان الاستصحاب تامة في حقه فإنه ليس بملتفتٍ إلى اليقين السابق والشك اللاحق، وعيه فلابد من علاج هذا الاشكال.
وقد يجاب عنه هذا بثلاثة اجوبة:-
الجواب الاول:- أن يقال إنَّ شرط جريان الاستصحاب هو ثبوت الحالة السابقة لا اليقين بها، فإنَّ اليقين بها ليس بلازم، والوجه في ذلك هو أنَّ اليقين قد أخذ بنحو المرآتية والطريقية إلى المتيقن، فالرواية حينما قالت:- ( لا تنقض اليقين ) يعني لا تنقض المتيقَّن، لأنَّ الذي يُنقَض هو المتيقن، وعليه فلا يلزم في جريان الاستصحاب ثبوت اليقين، وإنما اليقين قد أخذ كمرآةٍ للمتيقن وليس ملحوظاً بنفسه وبذاته.
وفي التعليق نقول:- إنَّ ما ذكر له وجاهة من جهة اليقين دون الشك، فإنَّ الشك لا يؤخذ عرفاً مرآةً للمشكوك وإنما هو مأخوذ بنحو الموضوعية، ومن المعلوم أنَّ المكلف العامي لا يوجد عنده شك في البقاء، لأنَّ الشك في البقاء فرع كونه ملتفتاً إلى أنه كان يوجد وجوب لصلاة الجمعة في زمن الحضور جزماً فحينئذٍ يحصل عنده الشك في البقاء في زمن الغيبة، لأنَّ المفروض أنَّ العامي عادةً لا يوجد عنده التفات إلى ذلك، فالشك في حقه لا يكون فعلياً، ومع عدم كونه فعلياً عاد الاشكال على حاله غايته بلحاظ الشك لا بلحاظ اليقين، فإنه بلحاظ اليقين قد يدفع بدعوى كون اليقين مأخوذاً كمرآةٍ إلى المتيقن - يعني إلى الطهارة مثلاً والطهارة كانت ثابتة سابقاً - أما الشك فلا يمكن أن يؤخذ بنحو المرآتية، وعليه كيف يجري الفقيه الاستصحاب نيابةً عن المكلف؟، وعليه فهذه المحاولة ليست بصحيحة.