45/03/01
الموضوع: - مبحث القطع والامارات والاصول العملية.
يقع الكلام في مباحث القطع والامارات والاصول العملية:-
عرفنا أنَّ علم الاصول حسب ما جاء في الكفاية ينقسم إلى قسمين:-
القسم الأول:- مباحث ألفاظ، وهو عبارة عن الجزء الاول من الكفاية، ومنها هل الامر يدل على الوجوب وهل النهي هل يدل على الحرمة ... وما شاكل ذلك.
القسم الثاني:- مبحث القطع والامارات والاصول العملية، وهو عبارة عن الجزء الثاني من الكفاية.
والذي يحتاجه الطالب في الاستنباط بدرجة أساسية هو القسم الثاني، وقد جاء الجزء الثاني من الكفاية باحثاً عن هذه الامور الثلاثة.
وقد ذكر العلمان الشيخ الأعظم(قده) في بداية رسائله، والشيخ الخراساني(قده) في بداية الجزء الثاني من كفايته:- أنَّ المكلف - ومقصودهم من المكلف المجتهد - إذا التفت إلى حكمٍ شرعيٍ فإما أن يحصل له القطع أو الظن أو الشك، فإن حصل له القطع فهو حجة بذاته، وإن حصل له الظن فهذا هو مورد الامارة وتارةً تكون الامارة حجة واخرى ليست بحجة والذي يتمسك به هو الامارة الحجة ويصير هذا مبحث الامارات، وإن حصل له الشك - والمقصود من الشك عدم العلم بالمعنى الشامل للظن أي عدم القطع وليس الشك المنطقي- فهذا هو مورد الاصول العملية، فيكون المورد إما مورد البراءة أو الاستصحاب أو ما شاكل ذلك.
وهنا يوجد سؤلان:-
السؤال الأول:- عرفنا إنَّ القدر المتيقن من التقسيم الثلاثي الذي ذكره العلمان هو المجتهد، فالجتهد إن حصل عنده يقين فسوف يفتي على طبقه، وإن حصل عنده ظنٌّ من أمارةٍ حجة فسوف يفتي على طبقه أيضاً، وإن حصل عنده شك فسوف يرجع إلى الاصل العملي المناسب للمقام، ولكن هل هذا التقسيم يعم العامي - أي غير المجتهد حتى لو كان صاحب تحصيل علمي بحيث يتمكن هذا العامي أيضاً من معرفة الحكم - أو لا يعمه؟
اجاب الشيخ النائيني(قده)[1] وقال:- إنه يختص بالمجتهد ولا يعم العامي، بل حتى لو فرض أنَّ هذه الاقسام الثلاثة حصلت للمكلف العامي إلا أنها لا تكون معتبرة فإنَّ دليل حجية الامارة والاصل يختص بالمجتهد ولا يعم العامي.
وفي التعليق نقول:-
أما بالنسبة إلى ما افاده أولاً فيرد عليه:- إنَّ غير المجتهد يمكن أن يحصل له ذلك أيضاً، ولكن لا ينبغي أن نفترض أن غير المجتهد هو العامي الصرف كالبقال والخباز وما شكالهما، بل قد يكون غير المجتهد رجلا فاضلاً دارساً للعلوم الحوزوية، فيمكن لمثل هذا الشخص أن ينظر في الآية أو الرواية فيحصل له القطع بالحكم الشرعي، كمسألة عدم جواز الاخلال بالنظام، فصحيح أنَّ العامي الصرف لا يتمكن أن يقول بهذا ولكن الفاضل يمكن أن يحصل له القطع بهذا الحكم، لأنَّ النظام إذا اختلَّ فسوف تختلّ الحياة ونحن نجزم بأنَّ الاسلام لا يريد حياة مرتبكة غير منتظمة وإنما يريدها منتظمة، وهذا من الامور الواضحة عند طالب العلم ولا يشترط أن يكون مجتهداً، وهذا واضحٌ خصوصاً في القضايا المهمة.
وهكذا بالنسبة إلى ردّ السلام من خلال التلفاز أو الراديو، فلو ألقى المذيع السلام من خلال المذياع أو التلفاز فهل يلزم على الجالسين ردّ السلام؟ إنه قد يتمكن غير المجتهد من استخراج حكمه فيقول إنَّ رد السلام واجب فيما إذا كانت هناك مواجهة بين الشخصين فيشمله عموم ﴿ وإذا حييتم بتحية ... ﴾، وأما إذا لم تصر مواجهة بينهما فدليل وجوب ردّ السلام منصرفٌ عنه.
فالمجتهد ليس معناه أنه لا يتمكن من التوصل إلى استبناط بعض الاحكام حتى وإن كان حكماً واحداً، بل الفارق بين المجتهد وغيره أنَّ المجتهد عنده ملكه قوية يستطيع من خلالها استنباط أي حكمٍ من أدلته، وأما غير المجتهد إذا رجلاً فاضلاً فهو يستطيع أن يستنبط بعض الاحكام كما مثلنا، وعليه فلا نوافق الشيخ النائيني(قده) على ما ذكره فإنه أول الكلام.
أما بالنسبة إلى كلامه الثاني:- فهو قابل للتأمل أيضاً، فإنه لو فرض أنَّ المكلف غير المجتهد حصل له الظن المتعارف كما يحصل لسائر المجتهدين أو حصل له القطع فسوف يكون ذلك كسائر الظنون والظواهر فيمكن الحكم عليه بالحجية.
وعليه فالتقسيم الثلاثي الذي ذكره العلمان يعم المكلف بقسميه المجتهد وغير المجتهد إذا كان فاضلاً.
السؤال الثاني:- وهو أنَّ هذا التقسيم الذي من فروعه المجتهد هل يمكن أن نتصور أنَّ يكون المجتهد ليس ببالغ؟
وفي هذا المجال نقول:- نعم يمكن أن يكون الشخص مجتهداً ولكنه ليس ببالغ، فلو كان كذلك وشك أنَّ البلوغ يحصل باكمال خمسة عشر سنة أو بمجرد الدخول في السنة الخامسة عشر، ففي مثل هذه الحالة يتمكن أن يعمل برأيه فيقول أنا أشك هل يلزم اكمال السنة الخامسة عشر أو يكفي مجرد الدخول في الرابعة عشر، وهكذا انبات الشعر على العانة وأنه هل يكفي مطلق الانبات أو خصوص الخشن منه، فإذا شك وكان الشعر الناعم بارزٌ عنده أو دخل في السنة الخامسة عشر فمادام هو مجتهد فيمكنه أن يعمل برأيه فيتمسك باطلاق الادلة مثلاً ويقول إنَّ الادلة كـ ﴿ أقيموا الصلوة وآتوا الزكاة﴾ مطلقة وهي تشمل البالغ وغير البالغ وقد خرج من اطلاقها الشخص الذي لم يدخل في السنة الخامسة عشر - كما لو اكمل السنة الرابعة عشر ولم يدخل في السنة الخامسة عشر - وأما إذا دخل الغد الذي وهو من السنة الخامسة عشر فسوف يشك في خروجه من اطلاقات وعمومات الادلة أو لا فيتمسك بالعمومات فيثبت بمقتاضاها وجوب الصوم والصلاة على كل شخصٍ وخرج من تلك العمومات الشخص الذي لم يدخل في سنّ الخامسة عشرة أما من دخل في اليوم الاول أو الثاني منها يشمله اطلاقها ونشك في خروجه منها فنتسمك باطلاقها وحينئذٍ يثبت عليه الوجوب.
إن قلت:- إنه في اليوم الاخير من السنة الرابعة عشر لم يجب عليه الصلاة والصوم وما شاكلهما فإذا دخل في اليوم الاول من السنة الخامسة عشر نشك هل وجب عليه التكليف أو لا فنستصحب عدم الوجب الثابت سابقاً؟
قلت:- إنَّ الاستصحاب دليل فقاهتي والعمومات أدلة اجتهادية، ومع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلى الدليل الفقاهتي.
وعليه فلا بأس بأن نقول إنَّ غير البالغ يمكن أن يكون مجتهداً، واجتهاده يكون حجةً عليه كما مثلنا.