الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/11/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه السادس من تنبيهات الاستصحاب ( استصحاب الكلي والفرد المردد )- مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

النقطة الثالثة: - تقسيم استصحاب الكلي.

المعروف بين الأصوليين تقسيم استصحاب الكلي إلى ثلاثة أقسام: -

القسم الأول:- أن يُعلَم بوجود الكلي ضمن جزئي معين ويُشك في بقاء ذلك الجزئي في ذلك المكان العين وبتبع ذلك سوف يشك في بقاء الكلي، كما لو فرض أنَّ زيداً دخل المسجد، فمعنى ذلك أنَّ الكلي موجود في المسجد ضمن زيد، وشككنا في خروج زيد، فبالتبع سوف نشك في بقاء الكلي، والمثال الشرعي لذلك هو من كان محدثاً بالجنابة بأن خرج منه المني، ففي مثل هذه الحالة هو مُحدِثٌ بخروج المني وبالتالي الكلي صادقٌ عليه وهو أنه محدث بالجنابة، فيتمكن من استصحاب الجزئي - الذي هو خروج المني أو الجنابة بواسطة خروج المني - كما يتمكن أيضاً من استصحاب الكلي وهو حدث الجنابة الكلي، فإذا كان الأثر مترتباً على الكلي - كما لو كان الأثر هو أنَّ المحدث بالحدث الأكبر لا يجوز له دخول المساجد - فسوف ينطبق عليه إذا شك أنه اغتسل أو لم يغتسل فهنا يستصحب بقاء الجزئي - يعني الحدث من الجنابة - كما يتمكن أن يستصحب الكلي - يعني أصل الحدث -، ومن الواضح أنَّ استصحاب الكلي أو استصحاب الجزئي يكون تبعاً لكيفية ترتب الأثر شرعاً، لأنَّ الأثر تارةً يترتب على الكلي وأخرى يترتب على الجزئي، فيتمكن المكلف أن يستصحب الجزئي إن كان الأثر مترتباً على الجزئي، كما يتمكن أن يستصحب الكلي إن كان الأثر مترتباً على الكلي.

وهذا مطلبٌ واضح، ولم يقع خلافٌ بين الأصوليين في جريان هذا القسم من استصحاب الكلي، وإنما الخلاف في النحو الثاني والثالث.

ويلحق بهذا القسم حالة ما إذا فرض أنه دخل شخصان للمسجد وشك في خروج الأول كما شك في خروج الثاني، فهنا أيضاً يمكن استصحاب الجزئي كما يمكن استصحاب الكلي.

وفرق هذا الملحق عن القسم الذي ألحقناه به هو أنه فيما سبق كنا نقول إنَّ الكلي حدث ضمن فردٍ معين وهو زيد وزيد نشك في خروجه من المسجد، أما هذا الملحق فنحن نفترض فيه أن شخصين دخلا المسجد ونشك في خروج الأول كما نشك في خرود الثاني، فهنا يجري استصحاب الكلي، فيمكن استصحاب الانسان كما يمكن استصحاب زيد واستصحاب عمرو، فيصير هذا ملحقاً بالاستصحاب من القسم الأول ولا داعي إلى جعله قسماً برأسه بعدما كان لا يختلف عن القسم الأول من حيث الروح.

وهكذا يلحق بالقسم الأول حالة ما إذا علمنا بدخول إما زيد أو عمرو إلى المسجد وشككنا في خروج زيد وخروج عمرو، ولا داعي إلى جعله قسماً برأسه.

وفرق هذا المورد عن السابق هو أنه في المورد السابق كنا نفترض أن زيداً وعمرواً قد دخلا المسجد ولكن نشك هل خرج زيد أو لا وهل خرج عمرو أو لا، أما في الملحق الثاني نحن نفترض أنَّ الداخل واحدٌ وهو إما زيد أو عمرو فإن كان زيداً فنشك في خروجه وإن كان عمرواً فنشك في خروجه أيضاً، وهذا ملحق أيضاً باستصحاب الكلي من القسم الأول.

وإنما ألحقنا هذين الموردين بالقسم الأول رغم أنَّ المعروف في كلمات الأصوليين بالنسبة إلى القسم الأول من استصحاب الكلي هو أن نعلم بدخول زيدٍ ثم نشك في خروجه فهنا نستصحب الكلي من القسم الأول، ولكن نحن ألحقنا هذين الموردين به لأنَّ ما ذكرناه كملحقٍ ليس له نكات وخصوصيات يختلف بها عما ذكروه من مثالٍ لاستصحاب الكلي من القسم الأول، فإنهم ذكروا أنَّ القسم الأول من استصحاب الكلي هو أن يُعلم بوجود الكلي ضمن فردٍ، كما لو علم بوجود الانسان في المسجد ضمن زيد ويشك في خروج زيد، وما ذكرناهما من الموردين لا يختلفان عما ذكروه في القسم الأول، فلا موجب لجعلهما قسمين مستقلين بعدما كانا لا يشتملان على نكاتٍ خاصة بهما.