الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/11/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - الاستصحاب في مورد الأصل العملي - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

وأما الحالة الثانية، وهي أن يثبت الحكم فيما سبق بأصل، فنحن نفترض أنَّ الأصل العملي الجاري في المرحلة السابقة لا يصلح لإثبات الحكم في مرحلة البقاء فهل يمكن أن تستعين بالاستصحاب ونطبقه هنا أو لا؟

ومثال ذلك: - ما لو فرض أنَّ شخصاً غسل ثوبي ثم شككت هل طهره الطهارة الشرعية أو لا، ففي مثل هذه الحالة نجري أصل الصحة في تطهيره، ولولا أصل الصحة لم تثبت طهارته، فتطهير الغير إذا حصل فسوف يجري فيه أصل الصحة، فلو استعملت هذا الثوب بعد اجراء أصل الصحة في تطهير الشخص الذي غسله ولكن بعد فترة شككت هل تنجّس أو لا وهل زالت تلك الطهارة التي ثبتت سابقاً بأصل الصحة أو لا فهل يجوز لي استصحابها؟

في هذا المثال لاحظنا أنَّ الأصل الذي نريد أن نجريه حالة الشك الآن هو غير الأصل السابق، فإنَّ الأصل السابق هو أصل الصحة، بينما الآن نريد أن نتمسك بالاستصحاب - أي استصحاب تلك الطهارة التي ثبتت بأصل الصحة-، فمورد التساؤل هو في هذه الحالة، وهو فيما إذا فرض أنَّ الحالة السابقة ثبتت بأصلٍ يغاير الأصل الذي نريد اجراءه الآن ولا يمكن أن يجري الأصل الأول الآن وإنما نريد أن نجري أصلاً آخر غيره، والسؤال: - هل يجري الاستصحاب في هذا المورد أو لا؟

وهناك مثال آخر: - وهو ما إذا فرض أنه يوجد عندنا ماء متيقن الطهارة سابقاً مشكوك النجاسة لاحقاً، ففي مثل هذه الحالة إذا أردنا أن نغسل به ثوباً متنجّساً فهل يجوز ذلك أو لا؟ نعم يجوز غسله به، لأنه مادام معلوم الطهارة سابقاً فيجري استصحاب بقاء الطهارة في الماء، فإذا كان بقاياً على الطهارة فحينئذٍ يجوز غسل الثوب المتنجّس به، ولكن لو فرض أننا شككنا بعد ذلك أنَّ طهارة الثوب هل هي باقية أو لا فهل يمكن اجراء تلك الطهارة السابقة التي ثبتت من خلال الغسل بذلك الماء - والأصل الجاري سابقاً هو استصحاب الطهارة - لأنَّ الماء كان طاهراً سابقاً ثم شككنا في نجاسته، فاستصحاب الطهارة يجري في الماء، فإذا غسلنا به الثوب صار الثوب طاهراً ولكن طهارة الثوب هي مستندة إلى استصحاب طهارة الماء، ثم شككنا بعد ذلك أن الثوب تنجّس أو لم يتنجّس فهل يمكن أن نستصحب تلك الطهارة التي ثبتت للثوب باستصحاب الطهارة في الماء أو لا؟، فالاستصحاب الأول هو غير الاستصحاب الثاني، فذاك هو استصحاب الطهارة في الماء، أما الآن فنريد أن نثبت استصحاب الطهارة في الثوب فنقول إنَّ الثوب كان طاهراً سابقاً بسبب ذلك الاستصحاب الجاري في الماء فإذا شككنا الآن في طهارة الثوب فهل يمكن استصحاب طهارته أو لا؟

والجواب: - لا يبعد صحة جريان الاستصحاب، فإنَّنا نريد أن نستصحب الطهارة التي ثبتت بشيءٍ آخر أعني بأصل الصحة مثلاً، ولا مانع من استصحاب تلك الطهارة فنقول إنَّ تلك الطهارة ثابتة سابقاً بمقتضى أصل الصحة والآن نشك في بقائها فنستصحب بقاءها إلى الآن.

نعم توجد مشكلة واحدة: - وهي أنَّ الحالة السابقة لم تثبت بنحو اليقين فإن اصالة الصحة في غسل الآخرين لا يثبت لي اليقين بالطهارة وإنما الشارع قال لي احكم بالطهارة أما اليقين بالطهارة فلم يحصل، فأنا أحكم بصحة فعل الغير لأجل الشرع، وعليه فنستصحب تلك الطهارة، ولكن تلك الطهارة لم تثبت بنحو اليقين، فكيف نستصحب شيئاً لم يثبت وجوده السابق بنحو اليقين؟

والجواب نفس ما ذكرناه سابقاً:- وهو أنه لا يبعد أن يكون المقصود اليقين الوارد من قوله عليه السلام:- ( لا تنقض اليقين بالشك ) هو الحجة، وإنما ذكر اليقين من باب أنه الفرد الأبرز من افراد الحجة، والدليل على كون المقصود هو الحجة وليس اليقين بخصوصه هو إنه لا إشكال في أنَّ الحجة لا يجوز رفع اليد عنها إلا بحجةٍ أخرى سواء كانت الحجة هي اليقين أو غيره، فلازم كون الشيء حجة هو أنه لا يجوز رفع اليد عنه إلا بحجةٍ أخرى، وعلى هذا الأساس لا خصوصية لليقين في صحة جريان الاستصحاب وإنما يكفي وجود الحجة السابقة، فإنَّ كل حجةٍ لا يجوز رفع اليد عنها إلا بحجةٍ أخرى، وهذا ثابت بمقتضى الارتكاز العقلائي والمتشرعي، وعلى هذا الأساس يجوز استصحاب تلك الطهارة التي ثبتت بأصل الصحة.

إذاً لا محذور في هذه الحالة في جريان الاستصحاب رغم عدم اليقين بالحالة السابقة.