الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/11/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الخامس من تنبيهات الاستصحاب ( الاستصحاب في مؤدى الأمارة ) - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

والذي نريد أن نقوله:- هو أنَّ الذي اتضح هو أنَّ الجواب في مورد الأمارة مختلفٌ كما بيّنا، ولكن يوجد جواب سيّال في جميع موارد الأمارة وقد ذكرناه، وحاصله:- إنَّ أساس الاشكال واهٍ، لأنَّ اساسه هو أنَّ روايات الاستصحاب كانت تقول (لا تنقض اليقين بالشك)، وفي مورد الأمارة لا يوجد يقين، وفي آخر ما ذكرناه في المحاضرة السابقة أننا ذكرنا جواباً يأتي في جميع موارد الأمارة، وحاصله:- إنَّ كلمة اليقين هنا لا يقصد منها خصوص اليقين حقيقةً وإنما المقصود منها الاشارة إلى الحجة الشرعية والتي من أوضحها اليقين، فالمقصود هو أنه لا تنقض الحجة الشرعية بالشك وإنما ذكر اليقين من باب أنه المصداق الواضح للحجة الشرعية. وإذا تم هذا الجواب فسوف يأتي في جميع موارد الأمارة من دون تفصيل.

ولكن توقف بعض الاخوة في ذلك وقال: - كيف تفسّر اليقين بالأمارة، وهل هناك من يفسر اليقين بالحجة؟

ولكن نقول: - إني إذا سألتك وقلت لك إذا كانت عندك حجة شرعية فهل ترفع اليد عنها من دون حجة شرعية أخرى؟!! إنك لا ترفع اليد عن الحجة الشرعية الأولى من دون حجة شرعية ثانية، فكل حجة شرعية لا يجوز رفع اليد عنها إلا بحجة شرعية أخرى، فلا يجوز رفع اليد عنها بالشك وهذا من المسلّمات، فحينما ذكر اليقين لا لخصوصية له بل كونه من أبرز المصاديق، وإلا فعليك أن تلتزم بأنَّ بقية الحجج غير اليقين يجوز رفع اليد عنها من دون حجة شرعية وهذا لا يلتزم به أحد - وهل تسمّي هذا بتنقيح المناط أو إلغاء الخصوصية - فبالتالي اليقين لا خصوصية له بل مطلق الحجة لا يجوز رفع اليد عنها إلا بحجة شرعية ثانية، وهذا قانون كلّي يريد أن يعطيه الامام عليه السلام لنا، وإذا كان المقصود هو هذا انحل الاشكال من أساسه، فإنَّ الامارة حجة شرعية، فإذا كانت حجة شرعية فحينئذٍ يشملها قانون ( لا تنقض اليقين بالشك ) بعد التوسعة التي اعملناها.

هذا كله بالنسبة إلى جريان الاستصحاب في مورد الأمارة.

جريان الاستصحاب في مورد الأصول العملية: -

أما بالنسبة إلى جريان الاستصحاب في مورد الأصل العملي: - ففي مقام الجواب نقول توجد حالتان: -

الأولى: - أن يكون الأصل الجاري في مرحلة الحدوث هو بنفسه يصلح للجريان في مرحلة البقاء من دون حاجة إلى استصحاب.

الثانية: - أن لا يكون الأمر كذلك.

أما الحالة الأولى: - فمثالها ما إذا ثبتت طهارة الثوب بأصل الطهارة، فهنا يوجد أصل في مرحلة الحدوث وهو أصل الطهارة، فإذا شككت فيما بعد هل تنجس الثوب أو لم يتنجس فنفس أصل الطهارة الذي أثبت لي الطهارة في مرحلة الحدوث سوف يثبت لي الطهارة مرحلة البقاء، وفي مثل هذه الحالة نكون في غنىً عن جريان الاستصحاب، إذ حتى لو قطعنا النظر عن الاستصحاب تكون الطهارة ثابتة للثوب بنفس أصل الطهارة الأول، فإذاً الأصل الجاري في مرحلة الحدوث - أي حين شراء هذا الثوب - هو بنفسه يثبت لي الطهارة في مرحلة البقاء من دون حاجةٍ إلى الاستصحاب.

إن قلت: - صحيح يمكن أن تسعين بأصل الطهارة السابق ولكن نسأل ونقول هل يمكن الاستعانة بفكرة الاستصحاب بشكلٍ من الأشكال في مرحلة البقاء أو لا يمكن ذلك؟

قلت: - لا يمكن اجراء الاستصحاب، والوجه في ذلك هو أنَّ الهدف من تطبيق الاستصحاب هل هو اثبات الطهارة الواقعية أو اثبات الطهارة الظاهرية؟ فإن أردت أن تثبت به الطهارة الواقعية فهي لم تكن ثابتة سابقاً حتى تريد ابقاءها من خلال الاستصحاب وإنما كان الثابت - عند شراء الثوب - هو الطهارة الظاهرية ولا يوجد عندي يقين بها، فالطهارة الواقعية إذا أردت أن تجري الاستصحاب لإثبات بقاءها لابد وأن تكون ثابتة من البداية ومن البداية المفروض أنه لا توجد طهارة واقعية، فالطهارة الواقعية لا يمكن استصحابها، وإن أردت استصحاب الطهارة الظاهرية فهي متيقنة من دون حاجة إلى الاستصحاب، والاستصحاب لا يجري في متيقن البقاء وإنما يجري في مشكوك البقاء، والطهارة الظاهرية متيقنة البقاء، لأنَّ المفروض أنَّ الثوب حينما أصابه شيء من السائل أصل الطهارة بَعدُ موجود، فالطهارة الظاهرية قطعية، فإذا كانت الطهارة الظاهرية يقينية فالاستصحاب لا يجري في الأمور المتيقنة الحدوث ومتيقنة البقاء وإنما يجري في مشكوكة البقاء، فلا معنى للاستصحاب حينئذٍ.