43/11/14
الموضوع: - التنبيه الخامس من تنبيهات الاستصحاب ( الاستصحاب في مؤدى الأمارة ) - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
ويمكن أن نضيف شيئاً ونقول: - إنَّ جعل العلمية هو من زاوية التنجيز والتعذير فقط لا جعل العلم بالمؤدى لترتيب آثار القطع الموضوعي، وإنما يمكن أن نجزم بأنه في جانب التنجيز والتعذير فقط وليس في جانب اثبات آثار القطع الموضوعي، فصحيح أنَّ الشك يكفينا ولكن نريد الآن أن نجزم بذلك، وكيف؟ ذلك باعتبار أنَّ مستند حجية هذه الأمارات من خبر الثقة وغيره عادةً هو العقلاء، وسيرة لعقلاء أو المرتكز العقلائي هو على العمل بالأمارة من باب التنجيز والتعذير أي من باب الطريقية لا من باب تطبيق آثار القطع الموضوعي لقلة تداول القطع الموضوعي في الحياة العقلائية، وإذا كان القطع الموضوعي موجوداً فهو موجود في بعض الأحكام الشرعية أما لدى العقلاء فليس بموجود، وعليه فيمكن أن نجزم بأنَّ مسلك جعل العلمية خاص بأثر التنجيز والتعذير لا أكثر.
فإذاً جميع هذه الوجوه الأربعة باطلة.
والأوجه في توجيه جريان الاستصحاب في مؤدى الأمارة أن يقال: - إنَّ الحكم الذي هو مؤدى الأمارة ويراد اجراء الاستصحاب فيه تارةً يكون مغيا بغاية وأخرى لا يكون مغيا بغاية، ومثال المغيا بغاية ما إذا شك في بقاء نجاسة الثوب لأجل الشك في غسله، فإنَّ نجاسة الثوب مغياة بغايةٍ وهي عدم غسله أما إذا غسل فحينئذٍ يطهر جزماً وترتفع النجاسة، ومثالٌ آخر لذلك ما إذا فرض أننا غسلنا الثوب النجس مرةً واحدةً وشككنا في بقاء النجاسة من ناحية احتمال أنه لا يطهر بالغسل مرةً واحدةً وإنما يحتاج إلى الغسل مرتين.
والفارق بين لمثال الأول والمثال الثاني هو أنه في المثال الأول يفترض أنَّ الشك بنحو الشبهة الموضوعية، أما في المثال الثاني يفترض أن الشك بنحو الشبهة الحكمية، فإنه في المثال الأول نعلم أنَّ هذا الثوب إذا تنجس فبغسله مرةً واحدةً يطهر ولكن لا ندري هل غسل حتى تكون النجاسة قد زالت أو لم يغسل حتى تكون النجاسة باقية، فالشك في بقاء النجاسة هنا ناشئ من الشك في غسل هذا الثوب النجس وعدم غسله، وهذا شك في بقاء الحكم - وهو النجاسة - بنحو الشبهة الموضوعية، أما في المثال الثاني فالشك في بقاء الحكم - أعني النجاسة - هو شك في الشبهة الحكمية، يعني أنَّ هذا الشك ناشئ من الشك في الحكم وأنَّ المطهّر من هذه النجاسة هل هو الغسلة الواحدة أو الغسلتان، فالشك في المثال الأول شك في بقاء النجاسة بنحو الشبهة الموضوعية والشك في المثال الثاني شك بنحو الشبهة الحكمية.
فإذاً الحكم مرةً تكون له غاية ونشك في تحقق تلك الغاية وعدمها، مثل نجاسة الثوب فإنها مغياة بالغسل أو بعدمه، ومرة يكون الشك بنحو الشبهة الحكمية، فنحن نعلم بأنَّ الثوب قد غسل ولكن لا ندري هل الغسلة الواحدة مطهرة أو يحتاج إلى غسلتين، فإذاً الغاية موجودة ولكن الشك يكون مرة في تحقق تلك الغاية كما في المثال الأول أو أن الشك يكون في الغاية وأنها ما هي فهل هي الغسل مرة واحدة أو الغسل مرتين، فالشك في المثال الأول بنحو الشبهة الموضوعية والشك في المثال الثاني بنحو الشبهة الحكمية، هذا كله في الحالة الأولى وهي أن يكون للحكم غاية والغاية هي الغسل ولكن لا ندري هل تحقق الغسل أو لا أو لا نعلم أنَّ الغسل مرة أو مرتين.
ومرةً لا يكون للحكم غاية ولكن رغم ذلك نشك في بقاء الحكم من ناحيةٍ أخرى لا من ناحية تحقق الغاية، ومثال ذلك الدعاء عند رؤية الهلال بناءً على وجوبه أو استحبابه، فبناءً على وجوبه هو ثابت لمن رأى الهلال في بداية ظهور الهلال ولكن هذا الوجوب باقٍ إلى ما بعد الرؤية بنصف ساعة مثلاً حتى يجب علينا قراءة الدعاء أو لا، فهنا لا توجد غاية وإنما الشك ناشئ من أنَّ وجوب الدعاء هو محدد بحين الرؤية أو يمتد إلى ما بعد الرؤية لا من باب أنه توجد غاية لهذا الحكم، فإذاً هاتان حالتان للشك والحالة الأولى انقسمت إلى قسمين فصار المجموع ثلاثة.
أما النحو الأول من الحالة الأولى - وهو أن نفترض أن الثوب نجس ونشك هل غسل أو لا - والمفروض أنَّ الأمارة قامت على حدوث النجاسة فيه وشككنا هل غسل أو لا ففي مثل هذه الحالة كيف نجري الاستصحاب؟
والجواب: - نحن لا ندري الاستصحاب في مؤدى الأمارة فإنه مظنون وليس متيقناً، ومؤدى الأمارة في المورد الأول هو النجاسة فإن الأمارة قد شهدت بأن هذا الثوب نجس فلا نجري الاستصحاب في نجاسة الثوب حتى تقول هو لا يجري لأنه لا يوجد يقين، وإنما نجريه في شيءٍ آخر، فنحن نشك هل غسل الثوب أو لم يغسل وقطعاً هو قبل يوم لم يغسل ونشك في الفترة المتأخرة أنه غسل أو لم يغسل، وعدم الغسل سابقاً قطعي فنستصحب عدم الغسل.
فإذاً نحن أجرينا الاستصحاب في عدم تحقق الغاية - أي عدم تحقق الغسل - فإنه قطعي، يعني نحن عوّضنا، يعني صحيح أننا نقول إنَّ مؤدى الأمارة - وهو النجاسة - لا يمكن اجراء الاستصحاب فيه ولكن نعوّض بشيءٍ آخر وهو أنه هل الغاية - وهي الغسل - تحققت أو لم تتحقق فنستصب عدم تحقق الغسل وبذلك سوف يثبت بقاء النجاسة، ولكن بقاء النجاسة لم يثبت باستصحاب النجاسة حتى تقول إنَّ النجاسة هي مدلولٌ للأمارة وهي مدلولٌ ظنّي والاستصحاب يحتاج إلى قطعٍ، وإنما نقول نحن أوجدنا لك بديلاً وهو الاستصحاب في عدم تحقق الغاية - أي عدم تحقق الغسل - وعدم تحقق الغسل قطعيٌ، لأنَّ الثوب لم يغسل جزماً، ثم نشك بعد ذلك هل غسل أو لم يغسل فنستصحب عدم تحقق الغاية، وبذلك وصلنا إلى النتيجة المطلوبة وهي الحكم على الثوب بكونه نجساً لا من خلال استصحاب النجاسة وإنما من خلال التعويض باستصحاب عدم تحقق الغسل، لأنَّ الشك في بقاء النجاسة ناشئ من أنَّ الغسل هل هو متحقق أو لا فنستصحب عدم تحقق الغسل.
فإذاً النجاسة ثابتة سابقة بالأمارة ولاحقاً نستصحب عدم تحقق الغسل، وبذلك يثبت عندنا نجاسة لم يتحقق الغسل منها فيحكم حينئذٍ بالنجاسة، ولكن النجاسة التي لم يتحقق الغسل منها قد ثبت من خلال الاستصحاب، وأما الذي ثبت من خلال الأمارة فهو أصل النجاسة.