الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الخامس من تنبيهات الاستصحاب ( الاستصحاب في مؤدى الأمارة ) - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

هذا كله فيما يرتبط بما أفاده السيد الخوئي(قده).

وأما ما افاده الشيخ الخراساني(قده) ففي مقام التعليق عليه نقول: - إنَّ المهم فيما أفاده هو أنَّ روايات الاستصحاب تجعل ملازمة بين الحدوث والبقاء واليقين يراد به المتيقن، فروايات الاستصحاب هي مرآة وهذا يعني أنه يراد من اليقين المتيقن وروايات الاستصحاب تجعل ملازمة بين حدوث المتيقن وبين بقائه، وعليه فلا توجد خصوصية لليقين وإنما المهم هو الملازمة بين متعلّق اليقين، ومتعلّق اليقين هو الحدوث أي المتيقن، لأنَّ اليقين قد تعلَّق بالحدوث، فروايات الاستصحاب تجعل ملازمة بين المتيقن - أو قل الحدوث - وبين البقاء.

فإذاً هو ألغى خصوصية اليقين وجعله مرآةً إلى المتيقن - أو إن شئت قلت جعله مرآةً للحدوث - وبالتالي تثبت الملازمة بين الحدوث والبقاء، وإذا ثبت هذا فسوف يحصل على مرامه، وهو أنَّ الاستصحاب يجري في مؤدى الأمارة، لأنَّ الامارة بالتالي تدل على الحدوث فيجري الاستصحاب في المؤدى، فهو ألغى كلمة اليقين عن كونها مأخوذةً بنحو الموضوعية وجعلها مرآةً إلى المتيقن - أي الحدوث -.

وفي مقام التعليق على ما أفاده نقول: -

أولاً: - إنَّ ما ذكره مجرّد دعوى تحتاج إلى قرينةٍ ودليل، وإذا قال:- إنَّ الدليل على ذلك هو أنَّ كلمة اليقين تستعمل أحياناً كمرآةٍ للمتيقن، قلنا: - هذا صحيح، ولكن في الوقت نفسه تستعمل كلمة اليقين أحياناً للدلالة على نفس صفة اليقين وليس بنحو المرآتية للمتيقن، وكلا الاستعمالين صحيح، والظهور يقتضي كون المراد هو اليقين بما هو يقين يعني بنحو الموضوعية لا المرآتية إلى المتيقن، وإذا تنزّلنا فنقول إنه يستعمل بنحو الموضوعية ويستعل أيضاً بنحو المرآتية فيحصل الاجمال - إن لم ندّع أنَّ الظهور في ارادة اليقين باقٍ ولا ينافي الاستعمال في المتيقن أحياناً - وعليه فسوف لا يثبت مرادك.

ونضيف إلى ذلك ونقول: - توجد قرينة أو قرينتان على كون المقصود من كلمة اليقين هو نفس اليقين دون المتيقن: -

الأولى: - كلمة ( الشك ) وكلمة ( تنقض )، فإنَّ الشك أريد به الشك ولم يرد به المشكوك، وبوحدة السياق يثبت أنَّ المراد من اليقين هو نفس اليقين دون المتيقَّن.

الثانية: - النقض، فإنَّ المناسب أن يتنسب إليه النقض هو اليقين، فلا تنقض اليقين أي لا تنقضه بما فيه من قوّةٍ واستحكام، لا أنه لا تنقض المتيقَّن فإنَّ هذا لا معنى له.

ثانياً: - يمكن أن يقال إنَّ الذي يستعمل كمرآة إلى المتيقن هو واقع اليقين لا مفهوم اليقين وفرقٌ بين المطلبين، وواقع اليقين هو الموجود في النفس، فذاك واقع اليقين يستعمل بنحو المرآة إلى المتيقن، كما لو تيقنت بأنك عادل فبهذا اليقين أرى العدالة وقد أغفل عن اليقين، فهنا لا نلاحظ اليقين في النفس وإنما نلاحظ المتيقَّن، لا مفهوم كلمة اليقين ومفهوم اليقين فإنها لا تستعمل مرآةً إلى المتيقن وإنما تستعمل مرآةً إلى أفراد اليقين لا إلى أفراد المتيقن، وفرقٌ بين الموردين.

ثالثاً: - حتى لو سلّمنا بأنَّ كلمة اليقين تستعمل مرآةً للمتيقن ولكن نقول إيّ متيقّن هو؟ إنه المتيقّن في مرتبة حدوثه، فلو كان المتيقّن هو الطهارة مثلاً فحدوث الطهارة هو الذي نريده، وكلمة اليقين لا تستعمل مرآةً لحدوث الطهارة وإنما تستعمل مرآةً إلى الطهارة، والذي نريده من كلمة اليقين هو أن تكون مرآةً إلى حدوث المتيقن، ومفهوم اليقين - أعني كلمة اليقين - لا تستعمل عرفاً مرآةً إلى حدوث المتيقن، وبكلمة أخرى:- إنه حتى لو سلّمنا بأنها تستعمل مرآةً للمتيقن - يعني لنفس الطهارة التي هي متعلّق اليقين - ولكنها لا تستعمل مرآةً إلى حدوث الطهارة ونحن نريد أنه متيقّن من حدوث الطهارة - فهو عنده يقين بحدوث الطهارة - وكملة اليقين لا تكون مرآةً إلى حدوث المتيقَّن.

وبكلمة أخرى نقول: - يوجد عندنا ثلاثة أشياء ينبغي التفرقة بينها، الأول المتيقن، والثاني متيقن الحدوث، والثالث متيقن البقاء، وكلمة اليقين لئن كانت مرآةً فهي مرآة للمتيقَّن لا لمتيقّن الحدوث، والمهم عندنا هو كون الشيء متيقَّن الحدوث.

هذه ثلاث مناقشات في مقابل ما ذكره صاحب الكفاية.
وذكر السيد الشهيد(قده)[1] نصرةً لصاحب الكفاية ما حاصله:- إنه توجد قرية على أنَّ كلمة اليقين تستعمل مرآةً في المتيقَّن، وبالتالي يكون المدار لا على وجود اليقّين وإنما على متعلّق اليقين - وهو مثل الطهارة أو النجاسة - والقرينة على ذلك هو صحيحة عبد الله بن سنان الواردة في ثوب الذمي، فإنَّ عبد الله بن سنان يسأل الامام عليه السلام ويقول:- إني أعير ثوبي الذمّي وهو يشرب الخمر ويأكل لحكم الخنزير ثم شككت أنه نجّسه أو لا فهنا أجاب عليه السلام وقال:- ( إنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجّسه )[2] ، فالإمام عليه السلام قال ( إنك أعرته إياه وهو طاهر ) فهو قال ( وهو طاهر ) ولم يقل ( وهو متيقن الطهارة ) أو ( أنت على يقين من الطهارة )، فالإمام عليه السلام علل بمتعلَّق اليقين وهو الطهارة ولم يعلّل بنفس اليقين، ومن هنا يظهر أنَّ اليقين لا مدخلية له وإنما المدار على ثبوت الحالة السابقة وإن لم يكن المكلف على يقينٍ منها، وبذلك يثبت ما أراده الشيخ الخراساني(قده) من أنَّ المدار على الحدوث وليس على اليقين بالحدوث، أي أنَّ الملازمة هي بين الحدوث والبقاء لا بين اليقين بالحدوث وبين البقاء.


[1] بحوث في علم الأصول، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي، ج6، ص221.
[2] وسائل الشيعة، العاملي.