43/11/06
الموضوع: - التنبيه الخامس من تنبيهات الاستصحاب ( الاستصحاب في مؤدى الأمارة ) - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
الوجه الثاني في الجواب:- ما أفاده صاحب الكفاية(قده)[1] ، وحاصله: إنَّ دليل حجية الاستصحاب يجعل ملازمة بين الحدوث والبقاء، يعني حديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) يريد أن يقول إنَّ كل شيء إذا كان حادثاً فهو باقٍ حتماً، فهناك ملازمة بين الحدوث والبقاء في كل شيء من الأشياء، فروايات الاستصحاب تجعل ملازمة بين الحدوث والبقاء وأنَّ كل شيء حدث سابقاً فهو باقٍ فإذا شككت فيكون محكوماً بالبقاء، فإذا رأيت سابقاً داراً لشخصٍ في المحلّة الفلانية ثم جئت بعد عشرين سنة وشككت أين تقع داره الآن فحينئذٍ روايات الاستصحاب تقول لي ما كنت على يقين منه سابقاً سر عليه الآن وخذ به، أي اذهب إلى تلك المنطقة القديمة التي كانت فيها تلك الدار، وهذه مقدمة أولى.
وتوجد مقدمة ثانية، وهي أنه حيث إنَّ الأمارة تدل على الحدوث، يعني إذا شهد الثقة قبل شهر بأنَّ هذا الثوب طاهر فهذه أمارة تدل على الحدوث فهي تقول الطهارة قد حدثت للثوب، فإذا شهد بأن الثوب طاهر فسوف نضم إلى ذلك الملازمة التي استفدناها من روايات الاستصحاب بين الحدوث والبقاء فيثبت أنَّ الطهارة باقية إلى الآن.
وأشكل عليه السيد الخوئي(قده) وقال[2] :- إنَّ روايات الاستصحاب على ما ذكرت تجعل ملازمة بين الحدوث والبقاء، ونحن نسأل ونقول:- هل هي تجعل ملازمة بلحاظ عالم الواقع أو أنها تجعلها في مرحلة التنجيز؟، يعني هل هي تجعل ملازمة في مرحلة الواقع يعني أنها تقول إنَّ الشيء الذي ثبت واقعاً فهو باقٍ واقعاً إلى حالة الشك، أو أنَّ المقصود هو جعل الملازمة في عالم التنجز يعني ما تنجّز سابقاً فهو باقياً على التنجّز إلا إذا حصل اليقين بارتفاعه أما إذا لم يحصل اليقين بارتفاعه فحينئذٍ نحكم ببقاء التنجّز فالملازمة التي تدل عليها روايات الاستصحاب بين الحدوث والبقاء هل هي ملازمة بلحاظ عالم الواقع أو بلحاظ عالم التنجّز، فإن كان المقصود هو الأول فذلك باطل لوجهين:-
الأول: - هو على خلاف الواقع، يعني نحن إذا تدبرنا في الأشياء أنَّ الكثير منها ثابت سابقاً ولكن بعد ذلك يزول بقاءه لا أنَّ كل حادث سابقاً هو باقٍ إلى زمان الشك، كالديار التي كانت عامرة أيام عاد وثمود وغير ذلك ولكن بعد ذلك زالت ولم تبق، وكذلك الكثير من الناس كانوا موجودين ولكن بعد ذلك لم يبقوا وماتوا، فإذا كان المقصود هو الملازمة الواقعية فهذا خلاف الواقع إذ لا توجد ملازمة في عالم الواقع بين الحدوث والبقاء إذ ما أكثر الأشياء التي هي بحادثة سابقاً ولكنها ليست باقية على مرّ الزمان.
الثاني: - إنه ذكر أنَّ لازم هذا هو أنَّ البقاء سوف يكون ثابتاً بالأمارة وليس بالأصل، يعني أنَّ لازم كلام الشيخ الخراساني(قده) أنَّ الثبوت في مرحلة البقاء سوف لا يكون ثابتاً بالأصل - أي الاستصحاب - بل يكون ثباتاً بالأمارة بسبب العلم لأنه صار عندنا علم، أو قل ملازمة واقعية موجودة، فإذا كانت الملازمة الواقعية موجودة فحينئذٍ يكون البقاء ثبات على أساس الملازمة الواقعية وهذا ثبوت لا بالاستصحاب وإنما هو ثبوت بالأمارة أو بالعلم - إن شئت فقل - فعلى هذا الأساس لو فرض أنه وقع خلاف على دار وشهدت البيّنة بأنها لزيد فأعطيت له ثم بعد ذلك شككنا هل باع زيد الدار أو لا فهنا يلزم أن يحكم ببقاء الدار على ملكه على أساس البيّنة السابقة وليس على أساس الاستصحاب، لأنَّ المفروض أنه توجد ملازمة واقعية، فالبيّنة التي شهدت سابقاً بالحدوث تكون بنفسها مثبتةً للبقاء الآن بسبب الملازمة، فالبقاء الآن يكون بسبب البيّنة والملازمة الواقعية وليس بسبب الاستصحاب والحال أنَّ الوجدان قاضٍ بأننا حينما نحكم بثبوت الدار على ملك زيد الآن هي بسبب الاستصحاب لا بسبب تلك البيّنة والملازمة الواقعية، هذا كله إذا قلنا بأنَّ روايات الاستصحاب تجعل ملازمة واقعية بين مرحلة الحدوث ومرحلة البقاء للشيء.
وأما إذا فرض أنها كانت تثبت ملازمة في مرحلة التنجّز، يعني إذا تنجّز الشيء سابقاً فروايات الاستصحاب تقول هو باقٍ على التنجّز فيلزم في هذه الحالة أنه إذا حصل علم اجمالي بأنه إما هذا الشي هو النجّس أو ذاك الشيء هو النجس فيجب الاجتناب عنهما من دون اشكال بسبب التنجيز بسبب العلم الاجمالي، فلو فرض أنه جاءت بيّنه بعد ذلك وشهدت على أنَّ النجس هو الشيء الذي على اليمين دون الذي على اليسار، ففي مثل هذه الحالة نقول بعد شهادة البيّنة لا إشكال في أننا نحكم بأنه يزول التنجّز عن الثاني ويبقى التنجّز على الأول والحال أنه بناءً على أنَّ روايات الاستصحاب إذا كانت تجعل ملازمة في مرحلة التنجّز فسوف يعود هذا الاناء الثاني الذي شهدت البيّنة بأنه ليس بنجس باقياً على التنجّس والحال أنه إذا شهدت البينة فسوف نرتكبه من دون إشكال والحال أنه بناءً على أنَّ روايات الاستصحاب تجعل ملازمة بين التنجّز السابق والتنجّز اللاحق يلزم أن نحكم بأن هذا الاناء الثاني يلزم الاجتناب عنه وهو منجز وهذا لا يلتزم به، فإذاً نستكشف من ذلك أنَّ روايات الاستصحاب لا تجعل ملازمة بين الحدوث والبقاء.