الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الخامس من تنبيهات الاستصحاب ( الاستصحاب في مؤدى الأمارة ) - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

التنبيه الخامس: - الاستصحاب في مؤدى الأمارة.

المستصحب تارةً يكون متيقناً وهذه هي الحالة المتعارفة للاستصحاب والقدر المتيقن من حجيته، وأخرى يكون مؤدى أمارة بأن يفترض أنَّ الأمارة تدل على تنجس الماء إذا لاقته نجاسة وفرض أنه يوجد عندنا ماء قليل لاقته نجاسة فمقتضى الأمارة هو كونه متنجساً فإذا فرض أن تغيره قد زال فهنا سوف نشك في بقاء نجاسته فهل يجري استصحاب النجاسة والمفروض أنه لا يوجد عندنا يقين سابق بالنجاسة وإنما دلت الامارة على النجاسة - وهو أنه عند الملاقاة يتنجس - وبعد فترة شككنا في بقاء النجاسة لأننا أرقنا عليه مقداراً من الماء فشككنا في بقاء النجاسة فهل يجري استصحاب مؤدى الامارة لا يقين به وروايات الاستصحاب تقول لا تنقض اليقين بالشك وهنا لا يوجد يقين فهل يجري الاستصحاب أو لا؟

نلفت النظر إلى أن هذا التنبيه ذكره الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية ولم يذكره الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل.

وعلى أي حال هنا قد يقال إن المانع من جريان الاستصحاب هو عدم اليقين السابق، بل يمكن أن يضاف إليه كما ذكره الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية بل وعدم الشك في البقاء، فإنه إذا لم يكن هناك يقين بالحدوث فلا شك في البقاء فإنَّ الشك في البقاء فرع ثبوت اليقين بالحدوث، فالشيخ الخراساني(قده) أراد أن يقول في باب مؤديات الامارة أنَّ الاستصحاب لا يجري من ناحيتين لا من ناحية واحدة، الناحية الأولى هي انه لا يقين بالحدوث والناحية الثانية هي أنه لا شك في البقاء، هكذا قد يقال.

وفي مقام التعلّيق على ما ذكره نقول: - إنَّ الشك في البقاء ليس فرع اليقين بالحدوث وإنما فرع الحدوث، فمادام الشيء نحتمل حدوثه فحينئذٍ يمكن أن نفترض الشك في البقاء، نعم يمكن أن نقول إنَّ البقاء فرع الحدوث لا أنَّ الشك في البقاء فرع اليقين بالحدوث، فإنَّ الشيء إذا لم يكن حادثاً فلا معنى لبقائه أما الشك في البقاء ليس فرع اليقين بالحدوث، بل يكفي احتمال الحدوث، لأننا مادمنا نحتمل الحدوث فسوف نحتمل البقاء.

فإذاً لابد من التفرقة بين مطلبين، بين نفس البقاء واقعاً فإنه فرع الحدوث إذ الشيء إذا لم يحدث كيف يبقى، وأما الشك في البقاء فهو لا يتقوف على اليقين بالحدوث بل يكفي احتمال الحدوث فإذا احتملنا أنَّ المولود قد ولد فسوف نحتمل بقاءه، واحتمال البقاء هو الشك في البقاء، فنحن نشك في بقائه رغم أنه يوجد عندنا احتمال الحدوث ولا يوجد عندنا يقين بالحدوث وهذه قضية فنية ينبغي الالتفات إليها وتسجل على صاحب الكفاية(قده).

وبعد الفراغ من هذا ندخل في التنبيه فنقول: - لا شك بين الأصوليين ولم يستشكل أحد منهم في أنَّ الاستصحاب يجري في مؤدى الأمارة، ولكن ما هو التخريج الفني لذلك، فإنَّ الاستصحاب يحتاج إلى شك بالبقاء واليقين بالحدوث فإذا لم يوجد يقين بالحدوث كيف يجري الاستصحاب في مؤدى الأمارة؟

وقد أجيب عن هذا الاشكال بعدة أجوبة: -

الجواب الأول: - أن يدّعى أننا نستصحب الحكم الظاهري، يعني حينما تقوم الأمارة على نجاسة هذا الشيء فهناك حكم واقعي كما هناك حكم ظاهري، والحكم الواقعي هو أنَّ هذا الشيء نجسٌ واقعاً وهذا لا نجزم به فإنَّ الأمارة لا توجد جزماً ويقيناً، فعلى هذا الأساس النجاسة الواقعية التي هي مؤدى الأمارة لا يقين بها، ولكن هناك حكم ظاهري يتولد بسبب الأمارة وهو النجاسة الظاهرية التي ثبتت بسبب الأمارة فنستصحب ذلك الحكم الظاهري وهو متيقن، فإنَّ الذي لا يقين به هو النجاسة الواقعية أما النجاسة الظاهرية فيوجد يقين بها، فنستصحب الحكم الظاهري بالنجاسة، وهذا الحكم الظاهري متيقنٌ به فيجري الاستصحاب فيه من دون مانع.

وفيه: - إنّ هذا مبنيٌّ على مسلك السببيّة وأنَّ قيام الأمارة سببٌ لحدوث مصلحة في مؤداها فينجل حكم على طبق مؤدى الأمارة الذي هو النجاسة لأنَّ الامارة قامت على نجاسة الشيء الفلاني، فإذا شككنا في بقاء نجاسته الظاهرية فنستصحب بقاءها وهي متيقنة وليست مشكوكة، وإنما المشكوك هو النجاسة الواقعية، أما النجاسة الظاهرية فهي متيقنة فيجري فيها الاستصحاب من دون مانع.

وأما من يقول بالطريقية وأنَّ الأمارة ليست سبباً لحدوث مصلحة في مؤداها يبقى الاشكال على حاله، بل يمكن أن نقول إنَّ هذا الاشكال باقياً حتى على السببيّة، فحتى لو سلّمنا بأنَّ الامارة كانت سبباً لحدوث مصلحة على طبق مؤداها ولكن تحدث مصلحة بمقدار مؤداها لا أكثر من ذلك، فلو فرض أنَّ الأمارة دلت على أنَّ الامساك للصائم واجبٌ إلى غياب قرص الشمس فسوف تحدث مصلحة بهذا المقدار، فإذا انكشف بعد ذلك أنَّ الواجب هو أنَّ الامساك إلى ذهاب الحمرة المشرقية لا إلى استتار القرص فبناءً على السببيّة هل نحكم بالإجزاء ويجري الاستصحاب فنقول إن الاستصحاب يقتضي بقاء الوجوب إلى حين سقوط القرص؟!، فإذا اقتضى الاستصحاب هذا المقدار فسوف تحدث مصلحة بهذا المقدار وبالتالي لا يثبت الاجزاء فيما إذا انكشف أنَّ الصوم واجب إلى ذهاب الحمرة المشرقية، فإذاً الإجزاء لا يثبت حتى بناءً على السببيّة، لأنَّ المصلحة قد ثبتت بمقتضى الرواية إلى سقوط القرص، لأنَّ الرواية دلت على أنه يجب الامساك إلى سقوط القرص فالمصلحة تثبت بهذا المقدار ولكن بعد ذلك انكشف لنا أنَّ الواجب إلى ذهاب الحمرة المشرقية، فمسلك السببيّة لا ينفعنا في اثبات الاجزاء إذ المصلحة التي حدثت هي بهذا المقدار ولم تحدث بمقدار الامساك إلى ذهاب الحمرة المشرقية، فبقيت المصلحة الواقعية من دون تداركٍ بالبديل، لأنَّ البديل الذي جاء بسبب قيام الرواية والأمارة هو المصلحة للامساك إلى استتار القرص أما الامساك إلى ذهاب الحمرة المشرقية فلم تدل عليها الرواية، فالأمارة لا تكون سبباً لحدوث مصلحةٍ كاملة حتى يلزم من ذلك الاجزاء، وعليه سوف يبقى الاشكال على حاله.