الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/11/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الرابع من تنبيهات الاستصحاب ( الاستصحاب في الموضوعات المركّبة ) - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

اعادة لما ذكرناه في المحاضرة السابقة من التقريبين لعد جريان الاستصحاب: -

كان كلامنا في المحاضرة السابقة تحت عنوان الاستصحاب في حالة توارد الحالتين، وقلنا يوجد كلام بأنّه هل هو قابل للجريان في حدَّ نفسه ويسقط بالمعارضة أو ليس له قابلية الجريان، ونحن قلنا إنه قابل للجريان في حدّ نفسه ولكنه يسقط بالمعارضة، بيد أنه قد تذكر بعض التقريبات لإثبات عدم قابليته للجريان في حدّ نفسه وذكرنا تقريباً للشيخ العراقي كما ذكرنا تقريباً آخر، والآن نريد أعادة التقريبين بعبارات مختصرة وواضحة: -

أما التقريب الأول: - ما ذكره الشيخ العراقي(قده)، وحاصله: - إنه إذا فرض أن المكلف توضأ وأحدث ولا يدري السابق من اللاحق منهما ففي مثل هذه الحالة لا يجري الاستصحاب استصحاب الطهارة وكذلك لا يجري استصحاب الحدث، والوجه في ذلك هو أنه هل تستصحب الطهارة التي هي قبل الحدث أو الطهارة التي بعد الحدث؟ أما الطهارة التي قبل الحدث فقد ارتفعت جزماً لأنَّ الحدث جاء بعدها، وإذا كانت الطهارة بعد الحدث فهي باقية جزماً، فالأمر يدور بين قطعين، وعليه فلا شك في البقاء ليجري الاستصحاب.

وقد أجبنا عن هذا التقريب بجوابين: -

الأول: - لا تقل الطهارة قبلية أو الطهارة البعدية، وإنما عليك أن تحذف القبيلة والبعدية من الحساب، فأنا أجزم بأني تطهرت ولكن لا أعلم بأنَّ الطهارة باقية الآن كما أني أجزم بأني أحدثت وأشك في بقاء الحدث، فإذا كان الأمر كذلك فالطهارة التي طرأت عليَّ جزماً أشك في بقائها، فاليقين موجود وأشك في ارتفاعه، وكذلك الحال بالنسبة إلى الحدث فهو موجود يقيناً واشك في ارتفاعه فالاستصحاب قابل للجريان لولا المعارضة.

الثاني: - قلنا لا تقل ( فلا شك في البقاء فلا يجري الاستصحاب )، إذ نقول:- إنَّ الاستصحاب لا يتقوم بالشك في البقاء وإنما يتقوم بوجود يقين وشك لا أكثر من ذلك فإن الروايات قالت ( لا تنقض اليقين بالشك ) ولم تقل ( بالشك في البقاء ) فإن هذا القيد لم تذكره فسواء كان هناك شك في البقاء أو ليس بموجود فالمهم أنه مادام عندك يقين وشك فالاستصحاب يكون قابلاً للجريان، وهذه قضية علمية نلفت النظر إليها.

فائدة: - هل توجد موارد للاستصحاب لا يوجد فيها شك في البقاء أو لا؟

وفي الجواب نقول: - إنه عادةً يوجد شك في البقاء في جميع موارد الاستصحاب إلا في حالة توارد الحالتين، فمورد كون اليقين موجود والشك ليس في البقاء ينحصر بهذا المورد - وهو حالة توارد الحالتين-، فصحيحٌ أنَّ الاستصحاب لا يتقوّم بالشك في البقاء وإنما يتقوّم باليقين والشك، ولكن نلفت النظر إلى أنَّ الشك في البقاء هو عنصرٌ متوفرٌ عادةً في جميع مصاديق الاستصحاب ولكن شذَّ منها مورد توارد الحالتين فإنه لا يوجد فيه شك في البقاء.

وأما التقريب الثاني: - وهو فيما إذا كان تاريخ إحدى الحالتين معلوماً، يعني نحن نعلم بأنَّ هذا الثوب أصابته نجاسة ظهر هذا اليوم كما نعلم بأنه غسل أيضاً ولكن لا ندري هل غسل قبل الظهر حتى تكون النجاسة موجودة أو غسل بعد الظهر حتى تكون النجاسة مرتفعة، ففي مثل هذه الحالة البيان الثاني يقول إنَّ الاستصحاب لا يجري، والوجه في ذلك:- هو أنه لعل التطهير قد وقع قبل ملاقاة النجاسة ومعه حيث أننا متيقنون بطروّ التطهير فيصير المورد من موارد نقض اليقين باليقين وليس من موارد الاستصحاب، فلا يجري الاستصحاب، وبذلك ثبت المطلوب.

وأجبنا عنه فيما سبق وقلنا: - إنَّ التطهير لا نعلم بأنه قد طرأ قبل اصابة النجاسة حتى نقول بأنَّ استصحاب الطهارة لا يجري لأنَّ هذا من موارد نقض اليقين باليقين حيث انتقضت الطهارة السابقة بالنجاسة كما أنَّ استصحاب النجاسة لا يجري فإنَّ النجاسة كانت ثابتة ولعلها طارئة بعد ذلك فأيضاً لا يجري الاستصحاب لأنه لعله مصداق لنقض اليقين باليقين فلا يجري الاستصحاب لا القبلي ولا البعدي.

والجواب: - إنَّ الطهارة السابقة حتى لو طرأت واقعاً ولكن نقول نحن لا نعلم بها وإنما هي مجرّد احتمال ولا يقين بها، نعم عندنا يقين بطروّها إما قبل اصابة النجاسة أو بعدها أما أنَّ الطهارة قد طرأت قبل اصابة النجاسة فلا يجري استصحاب بقاء النجاسة وهكذا قد طرأت بعد الظهر فلا يجري أيضاً الاستصحاب فهذا لا نسلّم به، فإنه لا يوجد عندنا يقين بطروّ النجاسة قبلاً أو بعداً وإنما هو مجرّد احتمال، فالمورد ليس من نقض اليقين باليقين حتى لا يجري الاستصحاب وإنما هو من نقض اليقين بالشك فالاستصحاب يكون قابلاً للجريان لولا المعارضة.

فإذاً الاستصحاب لا يمكن جريانه في موارد توارد الحالتين.

وبهذا نختم الكلام في هذا التنبيه.