الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الرابع من تنبيهات الاستصحاب ( الاستصحاب في الموضوعات المركبة ) - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

حالة معلومية تاريخ أحدهما وجهالة تاريخ الآخر: -

كما لو فرض أننا نعلم بأنَّ الملاقاة قد حصلت في الساعة الثانية ولكن لا نعلم بزمان حدوث الكرّية فهي إما حصلت في الساعة الثانية أو الثالثة، فالملاقاة تاريخها معلوم والكرّية تاريخها مجهولٌ، أو بالعكس، وربما يقول قائل إنَّ الاستصحاب يجري مجهول التاريخ فقط - وهو الكرّية هنا - دون معلوم التاريخ، أما الملاقاة فتاريخها معلومٌ - وهو الساعة الثانية - فلا يجري فيها الاستصحاب، فإنَّ معلوم التاريخ لا جهالة فيه، فإنَّ الملاقاة قد حدثت في الساعة الثانية فلا معنى لجريان الاستصحاب فيها.

والجواب: - صحيح أنَّ الملاقاة معلومة التاريخ ولكنها معلومة التاريخ بلحاظ عمود الزمان، والمقصود من عمود الزمان هو الساعة الأولى والساعة الثانية والساعة الثالثة، فهي بلحاظ هذه الساعات تكون معلومة التاريخ حيث إنَّ تاريخها هو الساعة الثانية، أما بالقياس إلى الحادث الآخر - أي الملاقاة - فنحن لا ندري أنَّ الملاقاة هل هي سابقة على حدوث الكرية حتى يلزم نجاسة الماء أو بالعكس حتى تثبت طهارة الماء، والمهم لنا هو القياس إلى الحادث الآخر حتى نلاحظ هل يجري الاستصحاب أو لا.

فعلى هذا الأساس الملاقاة وإن كانت معلومة التاريخ بلحاظ عمود الزمان إلا أنها مجهولة الزمان بالقياس إلى الحادث الآخر، والمهم لنا هو ملاحظتها بالقياس إلى الحادث الآخر لا بالقياس إلى عمود الزمان كما قلنا، فإنها بالقياس إلى عمود الزمان لا ينفعنا شيئاً، فإذا نظرنا إليها بالقياس إلى الحادث الآخر فسوف تصير مجهولة التاريخ، وهنا يأتي السؤال هو أنه هل يجري الاستصحاب فيهما معاً أو أنه يجري في مجهول التاريخ فقط؟

وفي مقابل هذا قد يقال بجريان الاستصحاب في معلوم التاريخ أيضاً:- كما لو كان معلوم التاريخ هو الملاقاة، كما إذا حصلت الملاقاة في الساعة الثانية، فهي رغم كونها معلومة التاريخ ولكن الاستصحاب يجري فيها، والوجه في ذلك هو أنَّ الأثر - أعني الطهارة والنجاسة - ليس مترتباً على الملاقاة بلحاظ عمود الزمان حتى يقال هي معلومة التاريخ، وإنما هو مترتب على حدوث الملاقاة قبل الكرّية أو بعد الكرّية أي بالقياس إلى الحادث الآخر، والمفروض أنها مجهولةٌ بالقياس إلى الحادث الآخر، فعلى هذا الأساس معلوم التاريخ صار مجهولاً ولكن بالقياس إلى الحادث الآخر، والمفروض أنَّ الاستصحاب يجري بالقياس إلى الحادث الآخر، حيث نستصحب عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة أو استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرّية وليس بلحاظ عمود الزمان.

وعليه فقد اتضح من خلال هذا كله أنه لا محذور في جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ وفي معلوم التاريخ أيضاً، أما جريانه في مجهول التاريخ فأمره واضح، وأما جريانه في معلوم التاريخ فمعلوم التاريخ هو مجهولٌ بالقياس إلى الحادث الآخر، فكلٌّ منهما مجهولٌ بالقياس إلى الحادث الآخر، ونحن نريد اجراء الاستصحاب لكلٍّ منهما لا بلحاظ عمود الزمان وإنما بلحاظ الحادث الآخر والمفروض أنه مجهول، فلا محذور إذاً في جريان الاستصحاب على هذا الأساس.

 

تطبيقٌ فقهي: -

ونأخذ مثالاً على ذلك، وهو ما أشرنا إليه من الكرّية والملاقاة لنطبق عليه ما قرأناه سابقاً، وفي هذا المجال نقول: - إذا فرض أننا وجدنا ماءً لاقته نجاسة وجزماً كان هذا الماء ليس بكرٍّ سابقاً ولكن لا ندري ما السابق منهما فهل السابق هو الكرية حتى يكون طاهراً أو السابق هو الملاقاة حتى يكون نجساً، وفي هذا المجال توجد صورتان: -

الصورة الأولى: - أن تكون الحالة السابقة هي القلَّة وعدم الملاقاة في الساعة الثانية ولكن في الساعة الثانية والثالثة نعلم بتحقق أحدهما إما الكرّية في الساعة الثانية والملاقاة في الساعة الثالثة فيكون طاهراً أو بالعكس فيكون نجساً.

الصورة الثانية: - أن نفترض أنَّ الماء كان كرّاً في الساعة الأولى ثم علمنا بطروّ ساعتين عليه - ثانية وثالثة - في احداهما طرأت عليه القلَّة وفي الأخرى طرأت عليه الملاقاة ولكن لا نعلم المتقدّم منهما من المتأخر ولكن المفروض أننا نعلم بأنَّ الحالة السابقة له هي الكرّية.