43/10/27
الموضوع: - التنبيه الرابع من تنبيهات الاستصحاب ( الاستصحاب في الموضوعات المركبة ) - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.
الوجه الرابع:- وحاصله: إنه إذا أردنا استصحاب عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة فلعل زمان الملاقاة واقعاً هو الساعة الثالثة، فإذا أردنا استصحاب عدم الكرية إليها فنقول إنَّ هذا من باب نقض اليقين باليقين فلا يجري الاستصحاب، وإنما يجري الاستصحاب فيما إذا كان المورد من باب نقض اليقين بالشك، أما إذا كان المورد من باب نقض اليقين باليقين فهذا ليس استصحاباً، والمفروض أننا في الساعة الرابعة نجزم بأنَّ عدم الكرّية قد تبدّل إلى الكرّية، فاستصحاب عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة لا يجري لأجل احتمال أنَّ زمان الملاقاة هو الساعة الثالثة، وفي الساعة الثالثة المفروض أننا نجزم بأنَّ عدم الكرّية قد انقلب إلى الكرّية، فعلى هذا الأساس يكون المورد من نقض اليقين باليقين وليس من نقض اليقين بالشك فلا يجري الاستصحاب.
إن قلت: - إنَّ هذا مجرد احتمال وليس أمراً جزمياً، فنحن لا نجزم بأنَّ عدم الكرّية قد تحقق في الساعة الثالثة وإنما لعلّه تحقق في الساعة الثانية، فحينئذٍ يجري استصحابه، وإذا جرى استصحابه سوف تثبت النجاسة لأجل فرض أنَّ الملاقاة قد حصلت حال عدم الكرّية.
قلت: - إنَّ هذا احتمال وذاك احتمال، وبذلك لا يمكن التمسك بعموم ( لا تنقض اليقين بالشك )، لأنه يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
أجل نستدرك ونقول:- إذا فرض أنَّ زمان عدم الكرّية كان أوسع من زمان الملاقاة ولم يكون زمانيهما متساويين بأن كان مردداً بين أن يكون في الساعة الثانية أو الثالثة أو الرابعة فالاحتمالات لانتقاض عدم الكرّية مرددٌ بين هذه الساعات أما زمان الملاقاة كان أضيق - أي هو دائر بين الساعة الثانية والثالثة - ففي مثل هذه الحالة يجري استصحاب عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة، لأننا بالتالي لا نجزم بتحقق الملاقاة في الساعة الرابعة وإنما نجزم بتحققها إما في الساعة الثانية أو الثالثة لا أكثر بينما زمان عدم الكرّية أو أوسع فإنه قد أضيف إليه الساعة الرابعة، فنستصحب عدم الكرّية إلى آخر زمانه - يعني إلى الساعة الرابعة - وعليه فسوف يجري الاستصحاب في الساعة الثالثة، فتكون الملاقاة في الساعة الثالثة، وعدم الكرّية باستصحابه إلى زمان الملاقاة يثبت أنه متحقق في زمان الملاقاة فتثبت النجاسة ولا يكون من نقض اليقين باليقين ولو على سبيل الاحتمال.
هكذا ينبغي أن يقال ويُفصَّل.
وبهذا اتضح أنَّ الوجه الصحيح في بيان عدم جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ هو ما أشرنا إليه في هذا الوجه من احتمال كون المورد من نقض اليقين باليقين، ومادمنا نحتمل ذلك فلا يجوز التمسك بعموم ( لا تنقض اليقين بالشك وإنما انقضه بيقين آخر ) لاحتمال كون المورد من نقض اليقين باليقين، نعم إذا كانت دائرة انتقاض عدم الكرّية وتبّدلها إلى الكرّية أوسع - أي أنَّ زمان الكرّية كان أوسع وزمان الملاقاة كان أضيق - فيمكن جريان استصحاب عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة ويكون المورد من نقض اليقين بالشك وليس من مورد نقض اليقين باليقين ويثبت بذلك تنجّس الماء.
هكذا ينبغي أن يقال، وبالتالي اتضح أنَّ الوجه الصحيح هو هذا الوجه لا ما ذكره الشيخ الخراساني من عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، بل يقال لا يجري الاستصحاب لاحتمال كون المورد من باب نقض اليقين باليقين وليس من باب نقض اليقين بالشك، وبهذا انتهى حديثنا عن حالة جهالة مجهولي التاريخين.
والنتيجة النهائية التي انتهينا إليها: - هي أنه لا يجري الاستصحاب، لا لما ذكره الشيخ الخراساني ولا لغيره وإنما لهذا الوجه.