الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/10/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الرابع من تنبيهات الاستصحاب ( الاستصحاب في الموضوعات المركبة ) - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

الوجه الثالث:- ما ذكره السيد الروحاني(قده)[1] ، وحاصله يعتمد على مقدمتين:-

الأولى: - لابد وأن يكون المتيقن متحداً مع المشكوك، والوجه في ذلك: - إنه إذا لم يكن بينهما اتحاد بأن تيقنت بشيءٍ وشككت في بقاء شيءٍ آخر فحينئذٍ لا يصدق عنوان النقض، فبقرينة عنوان النقض نفهم أنَّ المشكوك يلزم أن يكون متحداً مع المتيقن، كما لو كنت متيقناً سابقاً بعدم الكرية فالمشكوك أيضاً يلزم أن يكون هو عدم الكرية لا أن يكون شيئاً آخر وإلا فلا يصدق النقض، فإنَّ النقض فرع الاتحاد بين المشكوك والمتيقن، وهذه قضية بديهية غير قابلة للتشكيك.

الثانية: - يلزم احراز الاتحاد بين المشكوك والمتيقن ولا يكفي الاحتمال والشك، والوجه في ذلك واضح: - لأنَّ الشك في الاتحاد يساوق الشك في صدق النقض، فإذا كان يوجد اتحاد فيصدق حينئذٍ النقض، وإذا لا يوجد اتحاد فلا يصدق النقض حينئذٍ، وحديث ( لا تنقض اليقين بالشك ) إنما يمكن تطبيقه فيما إذا أحرز صدق عنوان النقض، وأما إذا شُك فيكون التمسك بعمومه - أو بإطلاقه - من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو ليس بحجة.

فإذا فرض أنَّ هذا الماء ليس كرّاً في الساعة الأولى كما لم تحصل الملاقاة للنجاسة فحينئذٍ نقول إذا فرض أنَّ الملاقاة كانت حاصلة واقعاً في الساعة الثالثة فاستصحاب عدم الكرية من الساعة الأولى إلى الساعة الثالثة لا يجري، لأننا نستصحب عدم الكرية إلى وزمن الملاقاة التي هي الساعة الثالثة، وهذا الاستصحاب لا يجري لأنَّ عدم الكرية قد انتقض بالكرّية في الساعة الثانية، إذ قد فرضنا أننا نجزم بأنه في احدى الساعتين الثانية والثالثة قد حصلت كرّية، ففي أحدهما حصلت الكرية وفي الأخرى حصلت الملاقاة، وحينئذٍ نقول إذا كانت الملاقاة قد حصلت واقعاً في الساعة الثالثة فاستصحاب عدم الكرية لابد من جريانه إلى الساعة الثالثة، وهو لا يجري لفرض تخلل الكرّية في الساعة الثانية، وإذا قلت:- إنَّ هذا احتمالٌ وليس أمراً جزمياً؟ قلت:- مادمنا نحتمل تحقق الكرّية في الساعة الثانية فاستصحاب عدم الكرّية من الساعة الأولى إلى الساعة الثالثة لا يكون من قبيل نقض اليقين بالشك حتى يجري الاستصحاب، فإنَّ الاستصحاب يجري فيما إذا كان المورد من نقض اليقين بالشك، وهنا نحتمل أنَّ عدم الكرّية الثابت في الساعة الأولى قد انتقض بالكرّية في الساعة الثانية، وعليه فلا يجري الاستصحاب فإنه يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية حيث لا نجزم بأنَّ المورد من موارد نقض اليقين بالشك وإنما نحتمل أنه من موارد نقض اليقين باليقين، يعني ذاك اليقين بعدم الكرّية نحتمل أنه قد انتقض بالكرّية، لأنه يوجد عندنا يقين بطروّ الكرّية أو الملاقاة في احدى الساعتين الثانية والثالثة - بأنَّ الكرية حصلت في الساعة الثانية والملاقاة صارت في الساعة الثالثة أو بالعكس - فبالتالي نحن لا نحرز كون المورد من موارد نقض اليقين بالشك وإنما نحتمل كونه من موارد نقض اليقين باليقين، فلا يجري الاستصحاب.

والجواب: - إنه بناءً على هذا يلزم أن لا يجري الاستصحاب في الكثير من الموارد، كما لو فرض أني توضأت في الساعة السابعة صباحاً وبعد ذلك تيقنت بانتقاض الوضوء بأن ذهبت إلى الخلاء ولكن شككت هل ذهبت إلى الخلاء في الساعة الثامنة أو في الساعة التاسعة أو في الساعة العاشرة والمفروض أني قضيت صلاةً في الساعة الثامنة وكذلك قضيت صلاةً في الساعة التاسعة وكذلك قضيت صلاةً في الساعة العاشرة، ففي مثل هذه الحالة ما هو الحكم؟ الجواب: - إنه يجري استصحاب بقاء الطهارة إلى زمان اليقين بالحدث، وزمان اليقين هو الآن، لأني احتمل أنَّ الحدث قد حصل في الساعة الثامنة كما يحتمل أنه حصل في الساعة التاسعة كما يحتمل أنه حصل في الساعة العاشرة، فبالتالي يجري الاستصحاب في هذه الساعات لأني لا أعلم بالانتقاض في الساعة الثامنة ولا أعلم بالانتقاض في الساعة التاسعة ... وهكذا، فعلى هذا الأساس يجري الاستصحاب، نعم لا يجري الاستصحاب في الساعة الأخيرة لأني أجزم فيها بأني محدث، أما في الساعات التي قبلها فيوجد شك في الانتقاض فيجري حينئذٍ الاستصحاب، أما في الساعة الأخيرة فبما أنه يوجد عندي علم تفصيلي بالانتقاض فيها فلا يجري الاستصحاب، أما في الساعات السابقة عليها فلا مانع من جريان الاستصحاب، وسيرتنا جارية على ذلك.

وموردنا من هذا القبيل حيث نقول صحيحٌ أنَّ هذه المكلف هو يتيقن بأنَّ الكرّية قد زالت إما في الساعة الثانية أو في الساعة الثالثة فيجري استصحاب بقاء عدم الكرّية إلى الساعة الثانية، لأنه لا يوجد عنده علمٌ بالانتقاض وإنما يوجد عنده احتمال بالانتقاض، نعم لا يجري الاستصحاب في الساعة الثالثة لفرض وجود اليقين التفصيلي بانتقاض عدم الكرّية.

فإذاً هذا الوجه ليس بتام.


[1] منتقى الأصول، السيد الروحاني، ج6، ص243.