الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

43/10/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - التنبيه الرابع من تنبيهات الاستصحاب ( الاستصحاب في الموضوعات المركبة ) - مبحث الاستصحاب - الأصول العملية.

وفيه: - نحن نسلّم أنه يحتمل أنَّ حدوث الكرّية قد حصل في الساعة الثانية ولكن لا معنى لقوله أنه على هذا سوف ينتقض اليقين السابق - في الساعة الأولى - بعدم الكرية باليقين في الساعة الثانية، فإنَّ الكرية في الساعة الثانية ليست متيقنة وإنما هي مجرّد احتمال ولا يقين بها، فلا يصدق في مثل هذه الحالة أنَّ المورد من نقض اليقين باليقين، فما ذكره غريب.

أجل قد يقول قائل: - إنَّ هذا مبني على رأي للشيخ العراقي في متعلّق العلم الاجمال ويتم بناءً عليه، فإنه يبني على أنّ العلم الاجمالي يتعلّق بالواقع وليس بالجامع، فمثلاً لو عملت بأنَّ أحد هذين الشخصين عادل فعلمي الاجمالي هذا هل هو متعلّق بالجامع - وهو عدالة أحدهما - أو أنه متعلّق بالواقع - كما لو كان زيد هو العادل واقعاً -؟ المعروف بين الأعلام أنه يتعلق بالجامع، ولكن الشيخ العراقي ذهب إلى أنه متعلّق بالواقع، وبناءً على رأيه يصير متعلَّق العلم الاجمالي هو الواقع، فلو كانت الكرّية قد حدثت واقعاً في الساعة الثانية فهذا علمي الاجمالي بحدوثها إما في الساعة الثانية أو في الساعة الثالثة هو يتعلق بالواقع والواقع هو حدوثها في الساعة الثانية، فإذا كان يتعلّق بالواقع فيصدق آنذاك أنَّ اليقين السابق قد انتقض بيقينٍ جديد.

قلت: - صحيح أنَّ الشيخ العراقي يقول إنَّ العلم الاجمالي يتعلق بالواقع لا بالجامع ولكن توجد تكملة لكلامه لم تذكرونها، وهي أنَّ العلم الاجمالي يتعلَّق بالواقع برؤيةٍ مشوبةٍ بالخفاء وإلا لانقلب إلى علمٍ تفصيلي، ومادامت الرؤية والصورة مشوشة وغامضة فعلى هذا الأساس لا يتحقق الانتقاض فإنَّ العلم السابق إنما ينتقض بعلمٍ آخر، وهنا لا يوجد علمٌ بالكرّية في الساعة الثانية وإنما توجد صورة غامضة مشوشة وهي عبارة عن الشك، وعليه فلا يتحقق الانتقاض بذلك.

فإذاً ما ذكره لا ينفع حتى على مبنى الشيخ العراقي في باب حقيقة العلم الاجمالي، فإنَّ المورد لا يكون من باب الشبهة المصداقية لنقض اليقين باليقين، فإنَّ الكرّية حتى لو تحققت في الساعة الثانية لكنَّ الرؤية هي رؤيةٌ غامضةٌ مشوشة، فلا يوجد علمٌ واضح بالكرّية في الساعة الثانية حتى يصدق الانتقاض. فإذاً أقصى ما عندنا هو احتمال حدوث الكرّية في الساعة الثانية لا العلم بحدوثها فيها.

ومما يؤكد ما ذكرناه وهو هو أنَّ لازم ذلك عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي، كما لو فرض وجود ماءٍ طاهر وعلمنا بطرو احدى حالتين عليه إما النجاسة أو شيء آخر غير النجاسة، كما لو أصابه سُكَّر، فهو قد طرأ عليه طارئ والطارئ إما هو ملاقاته ليد الطفل المتنجّسة أو أنه لاقى الملعقة الطاهرة التي كانت في يد الطفل، فيوجد عندنا علم اجمالي بأنه أصابه إما شيء نجس أو أصابه شيء طاهر، ففي مثل هذه الحالة يحدث علم اجمالي بإحدى الاصابتين له، فهل يجوز تناول هذا الماء أو لا وما هو المخرج الشرعي؟ والجواب: - إنَّ المخرج الشرعي موجودٌ وهو استصحاب الطهارة، حيث كان هذا الماء طاهراً أولاً والآن نشك هل تنجّس أو لا فنستصحب الطهارة رغم وجود العلم الاجمالي بأنه قد لاقاه إما النجس أو الطاهر، ولكن لازم كلام الشيخ العراقي أنَّ الاستصحاب لا يجري في أطراف العلم الاجمالي الحاصل في هذا المثال وما شاكله والحال أنه بالوجدان لا أحد ينكر جريانه في مثل هذا المورد رغم وجود هذا العلم الاجمالي.

فإذاً ما أفاده الشيخ العراقي(قده) قابل للمناقشة بما ذكرناه.